أعينهم ، بحسب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه ، فلذلك آمنوا ، وأقروا به فقالوا : (رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) وهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، يشهدون لله بالتوحيد ، ولرسله بالرسالة ، وصحة ما جاؤوا به ، ويشهدون على الأمم السابقة ، بالتصديق والتكذيب. وهم عدول ، شهادتهم مقبولة ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
[٨٤] فكأنهم ليموا على إيمانهم ، ومسارعتهم فيه ، فقالوا : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٨٤) أي : وما الذي يمنعنا ، من الإيمان بالله ، والحال ، أنه قد جاءنا الحق من ربنا ، الذي لا يقبل الشك والريب. ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق ، طمعنا أن يدخلنا الله الجنة ، مع القوم الصالحين. فأي مانع يمنعنا؟ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان ، وعدم التخلف عنه.
[٨٥] قال الله تعالى : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا) أي : بما تفوهوا به من الإيمان ، ونطقوا به من التصديق بالحق. (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ). وهذه الآيات ، نزلت في النصارى الّذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، كالنجاشي وغيره ، ممن آمن منهم. وكذلك لا يزال يوجد فيهم ، من يختار دين الإسلام ، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه ، وهم أقرب من اليهود والمشركين ، إلى دين الإسلام.
[٨٦] ولما ذكر ثواب المحسنين ، ذكر عقاب المسيئين فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٠) لأنهم كفروا بالله ، وكذبوا بآياته المبينة للحق.
[٨٧] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) من المطاعم والمشارب ، فإنها نعم أنعم الله بها عليكم ، فاحمدوه ، إذ أحلها لكم ، واشكروه ، ولا تردوا نعمته بكفرها ، أو عدم قبولها ، أو اعتقاد تحريمها. فتجمعوا بذلك بين قول الكذب على الله ، وكفر النعمة ، واعتقاد الحلال الطيب ، حراما خبيثا ، فإن هذا من الاعتداء. والله قد نهى عن الاعتداء فقال : (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) بل يبغضهم ويمقتهم ، ويعاقبهم على ذلك.
[٨٨] ثم أمر بضد ما عليه المشركون ، الّذين يحرمون ، ما أحل الله فقال : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) أي : كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم ، بما يسره من الأسباب ، إذ كان حلالا ، لا سرقة ، ولا غصبا ، ولا غير ذلك ، من أنواع الأموال ، التي تؤخذ بغير حق. وكان أيضا طيبا ، وهو : الذي لا خبث فيه. فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث. (وَاتَّقُوا اللهَ) في امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه. (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فإن إيمانكم بالله ، يوجب عليكم تقواه ومراعاة حقه. فإنه لا يتم إلا بذلك. ودلّت الآية الكريمة ، على أنه إذا حرم حلالا عليه ، من طعام ، وشراب ، وسرية ، وأمة ، ونحو ذلك ، فإنه لا يكون حراما بتحريمه. لكن لو فعله ، فعليه كفارة يمين ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) الآية. إلا أن تحريم الزوجة ، فيه كفارة ظهار. ويدخل في هذه الآية ،