للعداوة والبغضاء. ومنها : أن هذه الأشياء تصد القلب ، وتبعد البدن عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، اللذين خلق لهما العبد ، وبهما سعادته. فالخمر والميسر ، يصدانه عن ذلك أعظم صد ، ويشتغل قلبه ، ويذهل لبه في الاشتغال بهما ، حتى يمضي عليه مدة طويلة ، وهو لا يدري أين هو. فأي معصية أعظم وأقبح ، من معصية تدنس صاحبها ، وتجعله من أهل الخبث ، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه ، فينقاد له ، كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها ، وتحول بين العبد ، وبين فلاحه ، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟ فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟
[٩١] ولهذا عرض تعالى ، على العقول السليمة ، النهي عنها ، عرضا بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). لأن العاقل ـ إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد ـ انزجر عنها ، وكفت نفسه ، ولم يحتج إلى وعظ كثير ، ولا زجر بليغ.
[٩٢] طاعة الله وطاعة رسوله ، واحدة ، فمن أطاع الله ، فقد أطاع الرسول ، ومن أطاع الرسول ، فقد أطاع الله. وذلك شامل للقيام ، بما أمر الله به ورسوله ، من الأعمال ، والأقوال الظاهرة ، والباطنة ، الواجبة والمستحبة ، المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق خلقه ، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه ، كذلك. وهذا الأمر أعم الأوامر ، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي ، ظاهر ، وباطن. وقوله : (وَاحْذَرُوا) أي : من معصية الله ، ومعصية رسوله ، فإن في ذلك ، الشر والخسران المبين. (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عمّا أمرتم به ، ونهيتم عنه. (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم ، وإن أسأتم فعليها ، والله هو الذي يحاسبكم. والرسول قد أدى ما عليه ، وما حمل به.
[٩٣] لما نزل تحريم الخمر ، والنهي الأكيد والتشديد فيه ، تمنى أناس من المؤمنين ، أن يعلموا حال إخوانهم ، الّذين ماتوا على الإسلام ، قبل تحريم الخمر ، وهم يشربونها. فأنزل الله هذه الآية ، وأخبر تعالى أنه (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) أي : حرج وإثم (فِيما طَعِمُوا) من الخمر والميسر قبل تحريمهما. ولما كان نفي الجناح ، يشمل المذكورات وغيرها ، قيد ذلك بقوله : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : بشرط أنهم تاركون للمعاصي ، مؤمنون بالله إيمانا صحيحا ، موجبا لهم عمل الصالحات ، ثم استمروا على ذلك. وإلا ، فقد يتصف العبد بذلك ، في وقت دون آخر. فلا يكفي ، حتى يكون كذلك ، حتى يأتيه أجله ، ويدوم على إحسانه ، فإن الله يحب المحسنين في عبادة الخالق ، المحسنين في نفع العبيد. ويدخل في هذه الآية الكريمة ، من طعم المحرم ، أو فعل غيره بعد التحريم ، ثم اعترف بذنبه ، وتاب إلى الله ، واتقى وعمل صالحا ، فإن الله يغفر له ، ويرتفع عنه الإثم في ذلك.
[٩٤] هذا من منن الله على عباده ، أن أخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا ، ليطيعوه ، ويقدموا على بصيرة ، ويهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة. فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لا بد أن يختبر الله إيمانكم. (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) أي : بشيء غير كثير ، فتكون محنة يسيرة ، تخفيفا منه تعالى ولطفا. وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به