ويستعين بعضهم ببعض ، ويتشاورون على المصالح العامة ، وتنعقد بينهم الروابط ، في مصالحهم الدينية والدنيوية. قال تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) ... (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ). ومن أجل كون البيت قياما للناس قال : من قال من العلماء : إن حج بيت الله ، فرض كفاية في كل سنة. فلو ترك الناس حجه ، لأثم كل قادر ، بل لو ترك الناس حجه ، لزال ما به قوامهم ، وقامت القيامة. وقوله : (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) أي : وكذلك جعل الهدي والقلائد ـ التي هي أشرف أنواع الهدي ـ قياما للناس ، ينتفعون بهما ، ويثابون عليهما. (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). فمن علمه ، أن جعل لكم هذا البيت الحرام ، لما يعلمه من مصالحكم الدينية والدنيوية.
[٩٨] (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٨) أي : ليكن هذان العلمان ، موجودين في قلوبكم ، على وجه الجزم واليقين ، تعلمون أن الله شديد العقاب ـ العاجل والآجل ـ على من عصاه ، وأنه غفور رحيم ، لمن تاب إليه وأطاعه. فيثمر لكم هذا العلم ، الخوف من عقابه ، والرجاء لمغفرته وثوابه. وتعملون على ما يقتضيه الخوف والرجاء.
[٩٩] ثمّ قال تعالى : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) وقد بلغ كما أمر ، وقام بوظيفته ، ما سوى ذلك ، فليس له من الأمر شيء. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) فيجازيكم بما يعلمه ـ تعالى ـ منكم.
[١٠٠] أي (قُلْ) للناس ـ محذرا عن الشر ومرغبا في الخير ـ : (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) من كل شيء. فلا يستوي الإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية ، ولا أهل الجنة وأهل النار ، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة ، ولا يستوي المال الحرام ، بالمال الحلال. (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) فإنه لا ينفع صاحبه شيئا ، بل يضره في دينه ودنياه. (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). فأمر أولي الألباب ، أي : أهل العقول الوافية ، والآراء الكاملة ، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب. وهم : الّذين يؤبه لهم ، ويرجى أن يكون فيهم خير. ثمّ أخبر أن الفلاح ، متوقف على التقوى ، التي هي موافقة الله ، في أمره ونهيه. فمن اتقاه ، أفلح كل الفلاح. ومن ترك تقواه ، حصل له الخسران ، وفاتته الأرباح.
[١٠١] ينهى عباده المؤمنين ، عن سؤال الأشياء ، التي إذا بينت لهم ، ساءتهم وأحزنتهم. وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عن آبائهم ، وعن حالهم في الجنة أو النار. فهذا ربما أنه ، لو بيّن للسائل ، لم يكن له فيه خير ، كسؤالهم للأمور غير الواقعة. وكالسؤال ، الذي يترتب عليه ، تشديدات في الشرع ، ربما أحرجت الأمة. وكالسؤال عمّا لا يعني. فهذه الأسئلة ، وما أشبهها ، هي المنهي عنها. وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك ، فهو مأمور به ، كما قال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) أي : وإذا وافق سؤالكم محله ، فسألتم عنها ، حين ينزل عليكم القرآن ، فتسألون عن آية أشكلت ، أو حكم خفي وجهه عليكم ، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء ، تبد لكم ، أي : تبين لكم وتظهر ، وإلا ، فاسكتوا