عمّا سكت الله عنه. (عَفَا اللهُ عَنْها) أي : سكت معافيا لعباده منها. فكل ما سكت الله عنه ، فهو مما أباحه ، وعفا عنه. (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) أي : لم يزل بالمغفرة موصوفا ، وبالحلم والإحسان معروفا. فتعرضوا لمغفرته وإحسانه واطلبوه ، من رحمته ورضوانه.
[١٠٢] وهذه المسائل التي نهيتم عنها (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : جنسها وشبهها ، سؤال تعنت لا استرشاد. فلما بينت لهم وجاءتهم (أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به ، فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك من كان قبلكم ، كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم».
[١٠٣] هذا ذم للمشركين ، الّذين شرعوا في الدين ، ما لم يأذن به الله ، وحرموا ما أحله الله. فجعلوا بآرائهم الفاسدة ، شيئا من مواشيهم محرما ، على حسب اصطلاحاتهم ، التي عارضت ما أنزل الله ، فقال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) وهي : ناقة ، يشقون أذنها ، ثمّ يحرمون ركوبها ، ويرونها محترمة. (وَلا سائِبَةٍ) وهي : ناقة ، أو بقرة ، أو شاة ، إذا بلغت سنا اصطلحوا عليه ، سيبوها ، فلا تركب ، ولا يحمل عليها ، ولا تؤكل ، وبعضهم ينذر شيئا من ماله ، يجعله سائبة. (وَلا حامٍ) أي : جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل ، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم. فكل هذه ، مما جعلها المشركون محرمة ، بغير دليل ولا برهان. وإنّما ذلك ، افتراء على الله ، وصادرة من جهلهم ، وعدم عقلهم ، ولهذا قال : (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ). فلا نقل فيها ولا عقل ، ومع هذا ، فقد أعجبوا بآرائهم ، التي بنيت على الجهالة والظلم.
[١٠٤] فإذا دعوا (إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ) أعرضوا ، فلم يقبلوا ، و (قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من الدين ، ولو كان غير سديد ، ولا دينا ينجي من عذاب الله. ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية ، لهان الأمر. ولكن آباءهم لا يعقلون شيئا ، أي : ليس عندهم من المعقول شيء ، ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلّد من لا علم عنده صحيح ، ولا عقل رجيح ، وترك اتباع ما أنزل الله ، واتباع رسله ، الذي يملأ القلوب علما وإيمانا وهدى وإيقانا.
[١٠٥] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : اجتهدوا في إصلاحها ، وكمالها ، وإلزامها سلوك الصراط المستقيم. فإنكم ـ إذا صلحتم ـ لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم ، ولم يهتد إلى الدين القويم ، وإنّما يضر نفسه. ولا يدل هذا ، أن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. لا يضر العبد تركهما وإهمالهما. فإنه لا يتم هداه ، إلا بالإتيان بما يجب عليه ، من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. نعم ، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر ، بيده ، ولسانه ، وأنكره بقلبه ، فإنه لا يضره ضلال غيره. وقوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أي : مآلكم يوم القيامة ، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خير وشر.
[١٠٦] يخبر تعالى خبرا متضمنا للأمر ، بإشهاد اثنين على الوصية ، إذا حضر الإنسان مقدمات الموت وعلائمه.