سورة الأنعام
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا إخبار عن حمده والثناء عليه ، بصفات الكمال ، ونعوت العظمة والجلال عموما ، وعلى هذه المذكورات خصوصا. فحمد نفسه على خلقه السموات والأرض ، الدالة على كمال قدرته ، وسعة علمه ورحمته ، وعموم حكمته ، وانفراده بالخلق والتدبير ، وعلى جعله الظلمات والنور. وذلك شامل للحسي من ذلك ، كالليل والنهار ، والشمس والقمر. والمعنوي ، كظلمات الجهل ، والشك ، والشرك ، والمعصية ، والغفلة ، ونور العلم والإيمان ، واليقين ، والطاعة. وهذا كه ، يدل دلالة قاطعة أنه تعالى ، هو المستحق للعبادة ، وإخلاص الدين له. ومع هذا الدليل ووضوح البرهان (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) به سواه. يسوونهم به في العبادة والتعظيم ، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال ، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه.
[٢] (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليهالسلام. (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي : ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا ، فتمتعون به وتمتحنون ، وتبتلون بما يرسل إليك به رسله. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) وهي : الدار الآخرة ، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار ، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر. (ثُمَ) مع هذا البيان التام وقطع الحجة (أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) أي : تشكّون في وعد الله ووعيده ، ووقوع الجزاء يوم القيامة. وذكر الله الظلمات بالجمع ، لكثرة موادها ، وتنوع طرقها. ووحّد النور ، لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة ، لا تعدد فيها ، وهي : الصراط المتضمنة للعلم بالحق ، والعمل به كما قال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
[٣] أي : وهو المألوه المعبود ، في السموات وفي الأرض ، فأهل السماء والأرض ، متعبدون لربهم ، خاضعون لعظمته ، مستكينون لعزه وجلاله ، الملائكة المقربون ، والأنبياء ، والمرسلون ، والصديقون ، والشهداء ، والصالحون. وهو تعالى ، يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال ، التي تقربكم منه ، وتدنيكم من رحمته ، واحذروا من كل عمل يبعدكم عنه ، ومن رحمته.
[٤] هذا إخبار منه تعالى ، عن إعراض المشركين ، وشدة تكذيبهم وعداوتهم ، وأنهم لا تنفع فيهم الآيات ، حتى تحل بهم المثلاث فقال : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) الدالة على الحقّ دلالة قاطعة ، الداعية لهم إلى اتباعه وقبوله. (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لا يلقون له بالا ، ولا يصغون لها سمعا ، قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها ، وولوها أدبارهم.
[٥] (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) والحقّ حقه ، أن يتبع ، ويشكر الله على تيسيره لهم ، وإتيانهم به. فقابلوه بضد