وينمونها. (وَ) أنشأ تعالى (النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) أي : كله في محل واحد ، ويشرب من ماء واحد ، ويفضل الله بعضه على بعض في الأكل. وخص تعالى ، النخل ، والزرع على اختلاف أنواعه ، لكثرة منافعها ، ولكونها هي القوت لأكثر الخلق. (وَ) أنشأ تعالى (الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) في شجره (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) في ثمره وطعمه. كأنه قيل : لأي شيء أنشأ الله هذه الجنات ، وما عطف عليها؟ فأخبر أنه أنشأها لمنافع العباد ، فقال : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي : النخل والزرع (إِذا أَثْمَرَ). (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) أي : أعطوا حق الزرع ، وهو الزكاة ذات الأنصباء المقدرة في الشرع. أمرهم أن يعطوها يوم حصادها ، وذلك لأن حصاد الزرع ، بمنزلة حولان الحول. لأنه الوقت ، الذي تتشوف إليه نفوس الفقراء ، ويسهل حينئذ إخراجه على أهل الزرع ، ويكون الأمر فيها ظاهرا ، لمن أخرجها ، حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله : (وَلا تُسْرِفُوا) يعم النهي عن الإسراف في الأكل ، وهو : مجاوزة الحد والعادة ، وأن يأكل صاحب الزرع أكلا يضر بالزكاة ، والإسراف في إخراج حق الزرع ، بحيث يخرج فوق الواجب عليه ، أو يضر نفسه أو عائلته أو غرماءه. فكل هذا ، من الإسراف الذي نهى الله عنه ، الذي لا يحبه الله ، بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الآية ، دليل على وجوب الزكاة في الثمار ، وأنه لا حول لها ، بل حولها ، حصادها في الزروع ، وجذاذ النخيل. وأنه لا تتكرر فيها الزكاة ، لو مكثت عند العبد أحوالا كثيرة ، إذا كانت لغير التجارة ، لأنّ الله لم يأمر بالإخراج منه ، إلا وقت حصاده. وأنه لو أصابها آفة قبل ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر ، أنه لا يضمنها ، وأنه يجوز الأكل من النخل والزرع ، قبل إخراج الزكاة منه ، وأنه لا يحسب ذلك من الزكاة ، بل يزكى المال الذي يبقى بعده. وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم ، يبعث خارصا ، يخرص للناس ثمارهم ، ويأمره أن يدع لأهلها الثلث ، أو الربع ، بحسب ما يعتريها من الأكل وغيره ، من أهلها ، وغيرهم.
[١٤٢] أي : (وَ) خلق وأنشأ (مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) أي : بعضها ، تحملون عليه وتركبونه ، وبعضها ، لا تصلح للحمل والركوب عليها ، لصغرها ، كالفصلان ونحوها ، وهي الفرش. فهي من جهة الحمل والركوب ، تنقسم إلى هذين القسمين. وأما من جهة الأكل ، وأنواع الانتفاع ، فإنها كلها ، تؤكل ، وينتفع بها. ولهذا قال : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : طرقه وأعماله ، التي من جملتها ، أن تحرموا بعض ما رزقكم الله. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فلا يأمركم إلا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الأبدي.
[١٤٣] وهذه الأنعام التي امتنّ الله بها على عباده ، وجعلها كلها حلالا طيبا ، فصلها بأنها : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) كذلك. فهذه أربعة ، كلها داخلة فيما أحل الله ، لا فرق بين شيء منها. فقل لهؤلاء المتكلفين ، الذين يحرمون منها شيئا دون شيء ، أو يحرمون بعضها على الإناث دون الذكور ، ملزما لهم بعدم وجود الفرق ، بين ما أباحوا منها ، وحرموا : (آلذَّكَرَيْنِ) من الضأن والمعز (حَرَّمَ) الله ، فلستم تقولون بذلك وتطردونه. (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) حرّم الله من الضأن والمعز ، فليس هذا قولكم ، لا تحريم الذكور الخلص ، ولا