الكتاب والسنّة ، من هذا ، شيء كثير. وفيه أن من جملة أشراط الساعة ، طلوع الشمس من مغربها. وأن الله تعالى حكيم ، قد جرت عادته وسنّته ، أن الإيمان إنّما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا ، كما تقدم. وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه. فالطاعة والبر والتقوى إنّما تنفع وتنمو ، إذا كان مع العبد إيمان. فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شيء من ذلك.
[١٥٩] يتوعد تعالى ، الّذين فرقوا دينهم ، أي : شتتوه وتفرقوا فيه ، وكلّ أخذ لنفسه نصيبا من الأسماء ، التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئا ، كاليهودية ، والنصرانية ، والمجوسية. أو لا يكمل بها إيمانه ، بأن يأخذ من الشريعة شيئا ، ويجعله دينه ، ويدع مثله. أو ما هو أولى منه ، كما هو حال أهل الفرقة ، من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة. ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف ، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين ، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية. وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي : لست منهم ، وليسوا منك ، لأنهم خالفوك وعاندوك. (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يردون إليه ، فيجازيهم بأعمالهم (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ).
[١٦٠] ثمّ ذكر صفة الجزاء فقال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) القولية والفعلية ، الظاهرة ، والباطنة ، المتعلقة بحق الله ، أو حق خلقه. (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) هذا أقل ما يكون من التضعيف. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وهذا من تمام عدله تعالى وإحسانه ، وأنه لا يظلم مثقال ذرة ، ولهذا قال : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
[١٦١] يأمر تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم ، أن يقول ويعلن ، بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم : الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة ، والأعمال الصالحة ، والأمر بكل حسن ، والنهي عن كل قبيح ، الذي عليه الأنبياء والمرسلون ، خصوصا إمام الحنفاء ، ووالد من بعث من بعد موته ، من الأنبياء ، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام ، وهو الدين الحنيف ، المائل عن كل دين غير مستقيم ، من أديان أهل الانحراف ، كاليهود ، والنصارى ، والمشركين.
[١٦٢] وهذا عموم ، ثمّ خصّص من ذلك أشرف العبادات فقال : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) أي : ذبحي ، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما ، ودلالتهما على محبة الله تعالى ، وإخلاص الدين له ، والتقرب إليه بالقلب واللسان ، والجوارح ، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس ، من المال ، لما هو أحب إليها ، وهو الله تعالى. ومن أخلص في صلاته ونسكه ، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله وأقواله. (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي : ما آتيه في حياتي ، وما يجريه الله عليّ ، وما يقدر عليّ في مماتي. الجميع (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
[١٦٣] (لا شَرِيكَ لَهُ) في العبادة ، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير. ليس هذا الإخلاص لله ، ابتداعا مني ، وبدعا أتيته من تلقاء نفسي. بل (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) أمرا حتما ، لا أخرج من التبعة ، إلا بامتثاله (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) من هذه الأمة.
[١٦٤] (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ) من المخلوقين (أَبْغِي رَبًّا) أي : يحسن ذلك ويليق بي ، أن أتخذ غيره ، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء ، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته ، منقادون لأمره؟ فتعين عليّ وعلى غيري ، أن يتخذ الله ربا ، ويرضى به ، ولا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين. ثمّ رغب ورهب بذلك الجزاء فقال : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير وشر (إِلَّا عَلَيْها) كما قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها). (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) بل كلّ عليه وزر نفسه. وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره ، فإنه عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء. (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من خير وشر ، ويجازيكم على ذلك ، أوفى الجزاء.
[١٦٥] (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي : يخلف بعضكم بعضا ، واستخلفكم الله في الأرض ، وسخّر