نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نوضحها ونبينها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الآيات ، ويعلمون أنها من عند الله ، فيعقلونها ويفهمونها.
[٣٣] ثم ذكر المحرمات ، التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع فقال : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي : الذنوب الكبار ، التي تستفحش وتستقبح ، لشناعتها وقبحها ، وذلك ، كالزنا ، واللواط ، ونحوهما. وقوله : (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي : الفواحش التي تتعلق بحركات البدن ، والتي تتعلق بحركات القلوب ، كالكبر ، والعجب والرياء ، والنفاق ، ونحو ذلك. (وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : الذنوب التي تؤثم ، وتوجب العقوبة في حقوق الله ، والبغي على الناس ، في دمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، فدخل في هذا ، الذنوب المتعلقة بحق الله ، والمتعلقة بحق العباد. (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : حجة ، بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد. والشرك ، هو : أن يشرك مع الله في عبادته ، أحد من الخلق. وربما دخل في هذا ، الشرك الأصغر ، كالرياء ، والحلف بغير الله ، ونحو ذلك. (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) في أسمائه وصفاته وأفعاله ، وشرعه. فكل هذه قد حرّمها الله ، ونهى العباد عن تعاطيها ، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة ، ولما فيها من الظلم والتجزؤ على الله ، والاستطالة على عباد الله ، وتغيير دين الله وشرعه.
[٣٤] أي : وقد أخرج الله بني آدم إلى الأرض ، وأسكنهم فيها ، وجعل لهم أجلا مسمى ، لا تتقدم أمة من الأمم على وقتها المسمى ، ولا تتأخر ، لا الأمم المجتمعة ، ولا أفرادها.
[٣٥] لما أخرج الله بني آدم من الجنة ، ابتلاهم بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب عليهم ، يقصون عليهم آيات الله ، ويبينون لهم أحكامه. ثم ذكر فضل من استجاب لهم ، وخسار من لم يستجب لهم فقال : (فَمَنِ اتَّقى) ما حرّم الله ، من الشرك ، والكبائر ، والصغائر. (وَأَصْلَحَ) أعماله الظاهرة والباطنة (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من الشر الذي قد يخافه غيرهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما مضى ، وإذا انتفى الخوف والحزن ، حصل الأمن التام ، والسعادة ، والفلاح الأبدي.
[٣٦] (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي : لا آمنت بها قلوبهم ، ولا انقادت لها جوارحهم ، (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) كما استهانوا بآياته ، ولازموا التكذيب بها ، أهينوا بالعذاب الدائم الملازم.
[٣٧] أي : لا أحد أظلم (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك له ، والنقص له ، والتقول عليه ما لم يقل ، (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) الواضحة المبينة للحق المبين ، الهادية إلى الصراط المستقيم. فهؤلاء ، وإن تمتعوا بالدنيا ، ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ ، فليس ذلك بمغن عنهم شيئا ، يتمتعون قليلا ، ثم يعذبون طويلا. (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي : الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم ، واستيفاء آجالهم. (قالُوا) لهم في تلك الحالة ـ توبيخا وعتابا ـ (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والأوثان ، فقد جاء وقت الحاجة ، إن كان فيها منفعة لكم ، أو دفع مضرة. (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) أي : اضمحلوا وبطلوا ، وليسوا مغنين عنا من عذاب الله من