وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال. أي : فكما أنه محال دخول الجمل في سم الخياط ، فكذلك المكذبون بآيات الله ، محال دخولهم الجنة ، قال تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ) ، وقال هنا : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي : الذين كثر إجرامهم واشتد طغيانهم.
[٤١] (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) أي : فراش من تحتهم (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي : ظلل من العذاب ، تغشاهم. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) لأنفسهم ، جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد.
[٤٢] لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين ، ذكر ثواب المطيعين فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بجوارحهم ، فجمعوا بين الإيمان والعمل ، بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة ، بين فعل الواجبات وترك المحرمات ، ولما كان قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لفظا عاما يشمل جميع الصالحات ، الواجبة والمستحبة ، وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد ، قال تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : بمقدار ما تسعه طاقتها ، ولا يعسر على قدرتها ، فعليها في هذه الحال ، أن تتقي الله ، بحسب استطاعتها ، وإذا عجزت عن بعض الواجبات ، التي يقدر عليها غيرها ، سقطت عنها ، كما قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، [(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)] (١) (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، فلا واجب مع العجز ، ولا محرم مع الضرورة. (أُولئِكَ) أي : المتصفون بالإيمان والعمل الصالح ، (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي : لا يحولون عنها ، ولا يبغون بها بدلا ، لأنهم يرون فيها من أنواع اللذات ، وأصناف المشتهيات ، ما تقف عنده الغايات ، ولا يطلب أعلى منه.
[٤٣] (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) وهذا من كرمه وإحسانه ، على أهل الجنة ، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم ، والتنافس الذي كان بينهم ، أن الله يقلعه ويزيله ، حتى يكونوا إخوانا متحابين ، وأخلاء متصافين. قال تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٧) ويخلق الله لهم من الكرامة ، ما به يحصل لكل واحد منهم ، الغبطة والسرور ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم ، نعيم ، فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض ، لأنه فقدت أسبابه. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي يفجرونها تفجيرا ، حيث شاؤوا ، وأين أرادوا ، إن شاءوا في خلال القصور ، أو في تلك الغرف العاليات ، أو في رياض الجنات ، من تحت تلك الحدائق الزاهرات ، أنهار تجري في غير أخدود ، وخيرات ، ليس لها حد محدود. (وَ) لهذا لما رأوا ما أنعم الله عليهم وأكرمهم به (قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) بأن منّ علينا ، وأوحى إلى قلوبنا ، فآمنت به ، وانقادت للأعمال الموصلة إلى هذه الدار ، وحفظ الله علينا إيماننا وأعمالنا ، حتى أوصلنا بها إلى هذه الدار ، فنعم الرب الكريم ، الذي ابتدأنا بالنعم ، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة ، ما لا يحصيه المحصون ، ولا يعده العادون. (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي : ليس في نفوسنا
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.