(بِالْغُدُوِّ) أول النهار (وَالْآصالِ) آخره ، وهذان الوقتان ، فيهما مزية وفضيلة على غيرهما (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الّذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة ، وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز ، في ذكره وعبوديته ، وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة ، في الاشتغال به.
وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها ، وهي الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار ، خصوصا ، طرفي النهار ، مخلصا خاشعا متضرعا ، متذللا ، ساكنا متواطئا عليه قلبه ولسانه بأدب ووقار ، وإقبال على الدعاء والذكر ، وإحضار له بقلبه ، وعدم غفلة ، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
ثمّ ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته ، ملازمين لخدمته وهم الملائكة ، لتعلموا أن الله لا يريد أن يستكثر بعبادتكم من قلة ، ولا يتعزز بها من ذلة ، وإنّما يريد نفع أنفسكم ، وأن تربحوا عليه ، أضعاف أضعاف ، ما عملتم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) من الملائكة المقربين ، وحملة العرش والكروبيين (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) بل يذعنون لها ، وينقادون لأوامر ربهم (وَيُسَبِّحُونَهُ) الليل والنهار ، لا يفترون.
(وَلَهُ) وحده لا شريك له (يَسْجُدُونَ) ، فليقتد العباد ، بهؤلاء الملائكة الكرام ، وليداوموا على عبادة الملك العلام. تم تفسير سورة الأعراف ولله الحمد والشكر والثناء. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
تفسير سورة الأنفال
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] الأنفال ، هي : الغنائم ، التي ينفلها الله لهذه الأمة ، من أموال الكفار. وكانت هذه الآيات في هذه السورة ، قد نزلت في قصة «بدر» أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين ، فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنها ، فأنزل الله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) كيف تقسم وعلى من تقسم؟. (قُلِ) لهم (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يضعانها حيث شاءا ، فلا اعتراض لكم على حكم الله ورسوله ، بل عليكم إذا حكم الله ورسوله ، أن ترضوا بحكمهما ، وتسلموا الأمر لهما ، وذلك داخل في قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه. (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي : أصلحوا ما بينكم من التشاحن ، والتقاطع ، والتدابر ، بالتوادد ،