بَنانٍ) أي : مفصل. وهذا خطاب ، إما للملائكة الّذين أوحى إليهم أن يثبتوا الّذين آمنوا ، فيكون في ذلك دليل ، أنهم باشروا القتال يوم بدر ، أو للمؤمنين يشجعهم الله ، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين ، وأنهم لا يرحمونهم.
[١٣] (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : حاربوهما ، وبارزوهما بالعداوة. (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ومن عقابه تسليط أوليائه على أعدائه ، وتقتيلهم.
[١٤] (ذلِكُمْ) العذاب المذكور (فَذُوقُوهُ) أيها المشاققون لله ورسوله عذابا معجلا ، (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ). وفي هذه القصة من آيات الله العظيمة ، ما يدل على أن ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم رسول الله حق. منها : أن الله وعدهم وعدا ، فأنجزهموه. ومنها : ما قال الله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) الآية. ومنها : إجابة دعوة الله للمؤمنين ، لما استغاثوه ، بما ذكره من الأسباب ، وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين ، وتقييض الأسباب ، التي بها ثبت إيمانهم ، وثبتت أقدامهم ، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. ومنها : أن من لطف الله بعبده ، أن يسهل عليه طاعته ، وييسرها بأسباب داخلية وخارجية.
[١٥ ـ ١٦] أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية ، والقوة في أمره ، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان. ونهاهم عن الفرار ، إذا التقى الزحفان فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) أي : صف القتال ، وتزاحف الرجال ، واقتراب بعضهم من بعض ، (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) ، بل اثبتوا لقتالهم ، واصبروا على جلاذهم ، فإن في ذلك نصرة لدين الله ، وقوة لقلوب المؤمنين ، وإرهابا للكافرين. (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ) أي : رجع (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ) أي : مقره (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). وهذا يدل على أن الفرار من الزحف ، من غير عذر ، من أكبر الكبائر ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الآية : أن المتحرف للقتال ، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى ، ليكون أمكن له في القتال ، وأنكى لعدوه ، فإنه لا بأس بذلك ، لأنه لم يول دبره فارا ، وإنّما ولى دبره ، ليستعلي على عدوه ، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته ، أو ليخدعه بذلك ، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين. وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار ، فإن ذلك جائز ، فإن كانت الفئة في العسكر ، فالأمر في هذا واضح. وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين ، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز ، ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون ، أن الانهزام أحمد عاقبة ، وأبقى عليهم. أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم ، فيبعد ـ في هذه الحال ـ أن تكون من الأحوال المرخص فيها ، لأنه ـ على هذا ـ لا يتصور الفرار المنهي عنه ، وهذه الآية مطلقة ، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد.
[١٧] يقول تعالى ـ لما انهزم المشركون يوم بدر ، وقتلهم المسلمون ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) بحولكم وقوتكم (وَلكِنَ