نوره ، وإخماد كلمته ، وأن وبال مكرهم سيعود عليهم ، ولا يحيق المكر السيّء إلا بأهله ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : ليبطلوا الحقّ ، وينصروا الباطل ، ويبطل توحيد الرحمن ، ويقوم دين عبادة الأوثان. (فَسَيُنْفِقُونَها) أي : فسيصدرون هذه النفقة ، وتخف عليهم ، لتمسكهم بالباطل ، وشدة بغضهم للحق ، (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) أي : ندامة ، وخزيا ، وذلا. (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) فتذهب أموالهم ، وما أملوا ، ويعذبون في الآخرة أشد العذاب ، ولهذا قال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) أي : يجمعون إليها ، ليذوقوا عذابها ، وذلك لأنها دار الخبث والخبثاء ، والله تعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب ، ويجعل كل واحد على حدة ، وفي دار تخصه ، فيجعل الخبيث بعضه على بعض ، من الأعمال والأموال والأشخاص. (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الّذين خسروا أنفسهم ، وأهليهم يوم القيامة ، ألا ذلك هو الخسران المبين.
[٣٨ ـ ٤٠] هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد ، ولا استمرار هم في العناد ، من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى ، وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى ، فقال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) عن كفرهم ، وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) منهم من الجرائم (وَإِنْ يَعُودُوا) إلى كفرهم وعنادهم (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) بإهلاك الأمم المكذبة ، فلينتظروا ما حل بالمعاندين ، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون. فهذا خطابه للمكذبين ، وأما خطابه للمؤمنين عند ما أمرهم بمعاملة الكافرين فقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي : شرك ، وصد عن سبيل الله ويذعنوا لأحكام الإسلام ، (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ). فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين ، أن يدفع شرهم عن الدين ، وأن يذب عن دين الله ، الذي خلق الخلق له ، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان. (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن ما هم عليه من الظلم (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا تخفى عليه منهم خافية. (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى) الذي يتولى عباده المؤمنين ، ويوصل إليهم مصالحهم ، وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية ، (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الذي ينصرهم ، فيدفع عنهم كيد الفجار ، وتكالب الأشرار. ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه ومن كان الله عليه ، فلا عزّ له ، ولا قائمة تقوم له.
[٤١] يقول تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : أخذتم من مال الكفار قهرا بحق ، قليلا كان أو كثيرا ، (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) أي : وباقيه لكم ، أيها الغانمون ، لأنه أضاف الغنيمة إليهم ، وأخرج منها خمسها ، فدل على أن الباقي لهم ، يقسم على ما قسمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : للراجل سهم ، وللفارس سهمان سهم لفرسه ، وسهم له. وأما هذا الخمس ، فيقسم خمسة أسهم ، سهم لله ولرسوله ، يصرف في مصالح المسلمين العامة ، من غير تعيين لمصلحة ، لأن الله جعله له ولرسوله ، والله ورسوله غنيان عنه ، فعلم أنه لعباد الله ، فإذا لم يعين الله له مصرفا ، دل على أن مصرفه للمصالح العامة. والخمس الثاني : لذي القربى ، وهم قرابة النبي صلىاللهعليهوسلم من بني هاشم ، وبني المطلب ، وأضافه الله إلى