القرابة ، دليلا على أن العلة فيه مجرد القرابة ، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم ، ذكرهم وأنثاهم. والخمس الثالث ، لليتامى وهم : الذين فقدت آباؤهم وهم صغار ، جعل الله لهم خمس الخمس ، رحمة بهم ، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم ، وقد فقد من يقوم بمصالحهم. والخمس الرابع للمساكين ، أي : المحتاجين الفقراء ، من صغار ، وكبار ، ذكور ، وإناث. والخمس الخامس ، لابن السبيل ، وهو : الغريب المنقطع به في غير بلده. وبعض المفسرين يقول : إن خمس الغنيمة ، لا يخرج عن هذه الأصناف ، ولا يلزم أن يكونوا فيه ، على السواء ، بل ذلك تبع للمصلحة ، وهذا هو الأولى. وجعل الله أداء الخمس على وجهه ، شرطا للإيمان فقال : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) وهو يوم «بدر» الذي فرق الله به بين الحق والباطل ، وأظهر الحق ، وأبطل الباطل. (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المسلمين ، وجمع الكافرين ، أي : إن كان إيمانكم بالله ، وبالحق الذي أنزله الله على رسوله يوم الفرقان ، الذي حصل فيه من الآيات والبراهين ، ما دل على أن ما جاء به هو الحق. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يغالبه أحد إلا غلبه.
[٤٢] (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) أي : بعدوة الوادي القريبة من المدينة ، (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أي : جانبه البعيد من المدينة ، فقد جمعكم واد واحد. (وَالرَّكْبُ) الذي خرجتم لطلبه ، وأراد الله غيره (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) مما يلي ساحل البحر. (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم وإياهم على هذا الوصف ، وبهذه الحال (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي : لا بد من تقدم أو تأخر ، أو اختيار منزل ، أو غير ذلك ، مما يعرض لكم ، أو لهم ، يصدفكم عن ميعادهم. (وَلكِنْ) الله جمعكم على هذه الحال (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) أي : مقدرا في الأزل ، لا بد من وقوعه. (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي ليكون حجة وبينة للمعاند ، فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه ، فلا يبقى له عذر عند الله. (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي : يزداد المؤمن بصيرة ويقينا ، بما أرى الله الطائفتين من أدلة الحقّ وبراهينه ، ما هو تذكرة لأولي الألباب. (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) سميع لجميع الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات. (عَلِيمٌ) بالظواهر ، والضمائر ، والسرائر ، والغيب ، والشهادة.
[٤٣ ـ ٤٤] وكان الله قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا قليلا ، فبشر بذلك أصحابه ، فاطمأنت قلوبهم ، وتثبتت أفئدتهم. (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) فأخبرت بذلك أصحابك (لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم ، ومنكم من لا يرى ذلك ، والتنازع مما يوجب الفشل. (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي : لطف بكم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما فيها من ثبات وجزع ، وصدق وكذب. فعلم الله من قلوبكم ، ما صار سببا للطفه وإحسانه بكم ، وصدق رؤيا رسوله. فأرى الله المؤمنين عدوهم ، قليلا في أعينهم ، ويقللكم ـ يا معشر المؤمنين ـ في أعينهم ، فكل من الطائفتين ، ترى الأخرى قليلة ، لتقدم كل منهما على الأخرى. (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) من نصر المؤمنين ، وخذلان الكافرين وقتل قادتهم ، ورؤساء الضلال منهم ، ولم يبق منهم أحد ، له اسم يذكر ، فيتيسر بعد ذلك انقيادهم إذا دعوا إلى الإسلام ، فصار أيضا لطفا بالباقين ، الّذين منّ الله عليهم بالإسلام. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي : جميع أمور الخلائق ترجع إلى الله ، فيميز الخبيث من الطيب ، ويحكم في الخلائق بحكمه العادل ، الذي لا جور فيه ، ولا ظلم.
[٤٥] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي : طائفة من الكفار تقاتلكم. (فَاثْبُتُوا) لقتالها ، واستعملوا الصبر ، وحبس النفس ، على هذه الطاعة الكبيرة ، التي عاقبتها العز والنصر. واستعينوا على ذلك ، بالإكثار من ذكر الله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم ، فالصبر والثبات ، والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في استعمال ما أمروا به ، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال.