لهم من قرة أعين ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بآيات الله ، وكذبوا رسل الله. (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء حار ، يشوي الوجوه ، ويقطع الأمعاء. (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) من سائر أصناف العذاب (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) ، أي : بسبب كفرهم وظلمهم ، وما ظلمهم الله ، ولكن أنفسهم يظلمون.
[٥ ـ ٦] لما قرر ربوبيته ، وإلهيته ، ذكر الأدلة العقلية الأفقية ، الدالة على ذلك وعلى كماله ، في أسمائه وصفاته ، من الشمس والقمر ، والسموات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات ، وأخبر أنها آيات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) و (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها ، وكيفية استنباط الدلائل على أقرب وجه ، والتقوى تحدث في القلب ، الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، الناشئين عن الأدلة والبراهين ، وعن العلم واليقين. وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة ، دال على كمال قدرة الله تعالى ، وعلمه ، وحياته ، وقيوميته ، وما فيها من الأحكام ، والإتقان ، والإبداع والحسن ، دال على كمال حكمة الله ، وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من أنواع المنافع والمصالح ـ كجعل الشمس ضياء ، والقمر نورا ، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره مما يحصل ـ يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه ، وما فيها من التخصيصات ، دال على مشيئة الله ، وإرادته النافذة. وذلك دال على أنه وحده المعبود ، والمحبوب المحمود ، ذو الجلال والإكرام ، والأوصاف العظام ، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة ، إلا إليه ، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له ، لا لغيره ، من المخلوقات المربوبات ، المفتقرات إلى الله ، في جميع شؤونها. وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكير في مخلوقات الله ، والنظر فيها ، بعين الاعتبار. فإن بذلك تنفسح البصيرة ، ويزداد الإيمان والعقل ، وتقوى القريحة. وفي إهمال ذلك ، تهاون بما أمر الله به ، وإغلاق لزيادة الإيمان ، وجمود للذهن والقريحة.
[٧] يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يطمعون بلقاء الله ، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون ، وأعلى ما أمله المؤملون ، بل أعرضوا عن ذلك ، وربما كذبوا به (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) بدلا عن الآخرة. (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي : ركنوا إليها ، وجعلوها غاية أمرهم ، ونهاية قصدهم. فسعوا لها ، وأكبوا على لذاتها وشهواتها ، بأي طريق حصلت ، حصلوها ، ومن أي وجه لاحت ، ابتدروها ، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها ، وكأنها ليست بدار ممر ، يتزود فيها المسافرون ، إلى الدار الباقية التي إليها ، يرحل الأولون والآخرون ، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) فلا ينتفعون بالآيات القرآنية ، ولا بالآيات الأفقية والنفسية ، والإعراض عن الدليل ، مستلزم للإعراض والغفلة ، عن المدلول المقصود.
[٨] (أُولئِكَ) الّذين هذا وصفهم (مَأْواهُمُ النَّارُ) أي : مقرهم ومسكنهم ، التي لا يرحلون عنها. (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والشرك ، وأنواع المعاصي. فلما ذكر عقابهم ، ذكر ثواب المطيعين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلى (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).