دعائه ، وأن الذي يؤمنّ يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء. (فَاسْتَقِيما) على دينكما ، واستمرا على دعوتكما ، (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : لا تتبعان سبيل الجهال الضلال ، المنحرفين عن الصراط المستقيم ، المتبعين لطرق الجحيم. فأمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلا ، وأخبره أنهم سيتبعونه ، وأرسل فرعون في المدائن حاشرين. يقولون : (إِنَّ هؤُلاءِ) أي : موسى وقومه : (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦). فجمع جنوده ، قاصيهم ودانيهم ، فأتبعهم بجنوده ، بغيا وعدوا أي : أخرجهم باغين على موسى وقومه ، ومعتدين في الأرض ، وإذا اشتد البغي ، واستحكم الذنب ، فانتظر العقوبة.
[٩٠] (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) وذلك أن الله أوحى إلى موسى ، لما وصل البحر ، أن يضربه بعصاه ، فضربه ، فانفلق اثني عشر طريقا ، وسلكه بنو إسرائيل. وساق فرعون وجنوده خلفه داخلين. فلما استكمل موسى وقومه خارجين من البحر ، وفرعون وجنوده داخلين فيه ، أمر الله البحر ، فالتطم على فرعون وجنوده ، فأغرقهم ، وبنو إسرائيل ينظرون. حتى إذا أدرك فرعون الغرق ، وجزم بهلاكه (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) وهو الله الإله الحقّ الذي لا إله إلا هو (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : المنقادين لدين الله ، ولما جاء به موسى.
[٩١] قال الله تعالى ـ مبينا أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له ـ : (آلْآنَ) تؤمن ، وتقر برسول الله (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) أي : بارزت بالمعاصي ، والكفر والتكذيب (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فلا ينفعك الإيمان كما جرت عادة الله ، أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية ، أنه لا ينفعهم إيمانهم ، لأن إيمانهم صار إيمانا مشاهدا كإيمان من ورد القيامة ، والذي ينفع ، إنّما هو الإيمان بالغيب.
[٩٢] (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً). قال المفسرون : إن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم من فرعون ، كأنهم لم يصدقوا بإغراقه ، وشكّوا في ذلك. فأمر الله البحر أن يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه ، ليكون لهم عبرة وآية. (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها ، لعدم إقبالهم عليها. وأما من له عقل وقلب حاضر ، فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل.
[٩٣] (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي : أنزلهم الله وأسكنهم في مساكن آل فرعون ، وأورثهم أرضهم وديارهم. (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من المطاعم والمشارب وغيرهما (فَمَا اخْتَلَفُوا) في الحقّ (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) الموجب لاجتماعهم وائتلافهم ، ولكن بغى بعضهم على بعض ، وصار لكثير منهم أهوية وأغراض تخالف الحقّ ، فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يحكمه العدل الناشئ على علمه التام ، وقدرته الشاملة ، وهذا هو الداء ، الذي يعرض لأهل الدين الصحيح. وهو : أن الشيطان إذا أعجزه أن يطيعوه في ترك الدين بالكلية ، سعى في التحريش بينهم ، وإلقاء العداوة والبغضاء ، فحصل من الاختلاف ما هو