البالغة ، حيث قال : (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ).
[٤٦] (قالَ) الله له : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذين وعدتك بإنجائهم (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي : هذا الدعاء الذي دعوت به ، لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله. (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : ما لا تعلم عاقبته ، ومآله ، وهل يكون خيرا ، أو غير خير. (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي : أني أعظك وعظا ، تكون به من الكاملين ، وتنجو به من صفات الجاهلين.
[٤٧] فحينئذ ندم نوح عليهالسلام ندامة شديدة على ما صدر منه و (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤٧). فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين. ودل هذا ، على أن نوحا عليهالسلام لم يكن عنده علم ، بأن سؤاله لربه في نجاة ابنه ، محرم. داخل في قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) بل تعارض عنده الأمران ، وظن دخوله في قوله : (وَأَهْلَكَ). وبعد هذا ، تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم ، والمراجعة فيهم. (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه. فبارك الله في الجميع ، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها. (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) في الدنيا (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : هذا الإنجاء ، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك ، أحللنا به العقاب ، وإن متعوا قليلا ، فسيؤخذون بعد ذلك.
[٤٩] قال الله لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم بعد ما قص عليه هذه القصة المبسوطة التي لا يعلمها إلا من منّ الله عليه برسالته. (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) فيقولوا : إنه كان يعلمها. فاحمد الله ، واشكره ، واصبر على ما أنت عليه من الدين القويم ، والصراط المستقيم ، والدعوة إلى الله (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي ، فستكون لك العاقبة على قومك ، كما كانت لنوح على قومه.
[٥٠] أي : (وَ) أرسلنا (إِلى عادٍ) وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف ، من أرض اليمن ، (أَخاهُمْ) في النسب (هُوداً) ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه. (قالَ) لهم (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي : أمرهم بعبادة الله وحده ، ونهاهم عما هم عليه من عبادة غير الله ، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره ، وتجويزهم لذلك ، وأوضح لهم وجوب عبادة الله ، وفساد عبادة ما سواه.
[٥١] ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي : غرامة من أموالكم على ما دعوتكم إليه ، فتقولوا : هذا يريد أن يأخذ أموالنا ، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا. (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما أدعوكم إليه ، وأنه موجب لقبوله ، منتفي المانع عن رده.
[٥٢] (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) عما مضى منكم (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فيما تستقبلونه ، بالتوبة النصوح ، والإنابة إلى الله تعالى. فإنكم إذا فعلتم ذلك (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) بكثرة الأمطار ، التي تخصب بها الأرض ، ويكثر خيرها. (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) فإنهم كانوا من أقوى الناس ، ولهذا قالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟ ، فوعدهم أنهم