إبراهيم عليهالسلام وأن السلام قبل الكلام ، وأنه ينبغي أن يكون الرد ، أبلغ من الابتداء ، لأن سلامهم بالجملة الفعلية ، الدالة على التجدد ، ورده بالجملة الاسمية ، الدالة على الثبوت والاستمرار ، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية. (فَما لَبِثَ) إبراهيم لما دخلوا عليه (أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) أي : بادر لبيته ، فاستحضر لأضيافه عجلا مستويا على الرضف سمينا ، فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون؟
[٧٠] (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) أي : إلى تلك الضيافة (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) وظن أنهم أتوه بشر ومكروه ، وذلك قبل أن يعرف أمرهم. (قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) أي : إنا رسل الله ، أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.
[٧١] (وَامْرَأَتُهُ) أي : وامرأة إبراهيم (قائِمَةٌ) تخدم أضيافه (فَضَحِكَتْ) حين سمعت بحالهم ، وما أرسلوا به ، تعجبا. (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) فتعجبت من ذلك.
[٧٢] و (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) فهذان مانعان من وجود الولد (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).
[٧٣] (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء ، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه ، لأهل هذا البيت المبارك. (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ) أي : لا تزال رحمته ، وإحسانه ، وبركاته ، وهي : الزيادة من خيره وإحسانه ، وحلول الخير الإلهي (عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) ، أي : حميد الصفات ، لأن صفاته ، صفات كمال ، حميد الأفعال ، لأن أفعاله ، إحسان ، وجود ، وبر ، وحكمة ، وعدل ، وقسط. مجيد ، والمجد : هو عظمة الصفات وسعتها ، فله صفات الكمال ، وله من كل صفة كمال ، أكملها ، وأتمها ، وأعمها.
[٧٤ ـ ٧٥] (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) الذي أصابه من خيفة أضيافه (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) بالولد ، التفت حينئذ ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط ، وقال لهم : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ). (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) أي : ذو خلق وسعة صدر ، وعدم غضب ، عند جهل الجاهلين. (أَوَّاهٌ) أي : متضرع إلى الله في جميع الأوقات ، (مُنِيبٌ) أي : رجّاع إلى الله ، بمعرفته ومحبته ، والإقبال عليه ، والإعراض عمن سواه ، فلذلك كان يجادل عن من حتّم الله بهلاكهم.
[٧٦] فقيل له : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) الجدال (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بهلاكهم (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) فلا فائدة في جدالك.
[٧٧] (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) أي : الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا (لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أي : شق عليه مجيئهم ، (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي : شديد حرج. لأنه علم أن قومه لا يتركونهم ، لأنهم في صور شباب ، جرد ، مرد ، في غاية الكمال والجمال ، ولهذا وقع ما خطر بباله.
[٧٨] (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) أي : يسرعون ويبادرون ، يريدون أضيافه بالفاحشة ، التي ما سبقهم إليها أحد