مُفْسِدِينَ) فإن الاستمرار على المعاصي ، يفسد الأديان ، والعقائد ، والدين ، والدنيا ، ويهلك الحرث والنسل.
[٨٦] (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير ، وما هو لكم ، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية ، وهو ضار لكم جدا. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فاعملوا بمقتضى الإيمان ، (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي : لست بحافظ لأعمالكم ، ووكيل عليها ، وإنما الذي يحفظها الله تعالى ، وأما أنا فأبلغكم ما أرسلت به.
[٨٧] (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) أي : قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم ، والاستبعاد لإجابتهم له. ومعنى كلامهم : أنه لا موجب لنهيك لنا ، إلا أنك تصلي لله ، وتتعبد له ، فإن كنت كذلك ، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا ، لقول ليس عليه دليل ، إلا أنه موافق لك ، فكيف نتبعك ، ونترك آباءنا الأقدمين ، أولي العقول والألباب؟ وكذلك لا يوجب قولك لنا : (أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا) ما قلت لنا ، من وفاء الكيل ، والميزان ، وأداء الحقوق الواجبة فيها ، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا ، لأنها أموالنا ، فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا في تهكمهم : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي : إنك أنت الذي ، الحلم والوقار لك خلق ، والرشد لك سجية ، فلا يصدر عنك إلا رشد ، ولا تأمر إلا برشد ، ولا تنهى إلا عن غي ، أي : ليس الأمر كذلك. وقصدهم ، أنه موصوف بعكس هذين الوصفين : بالسفه والغواية. أي : أن المعنى : كيف تكون أنت الحليم الرشيد ، وآباؤنا هم السفهاء الغاوين؟ وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم ، وأن الأمر بعكسه ، ليس كما ظنوه ، بل الأمر كما قالوه. إن صلاته تأمره أن ينهاهم ، عما كان يعبد آباؤهم الضالون ، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأي فحشاء ومنكر ، أكبر من عبادة غير الله ، ومن منع حقوق عباد الله ، أو سرقتها ، بالمكاييل ، والموازين ، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد.
[٨٨] (قالَ) لهم شعيب : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : يقين وطمأنينة في صحة ما جئت به ، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) أي : أعطاني الله من أصناف المال ما أعطاني. (وَ) أنا (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) فلست أريد أن أنهاكم عن البخس في المكيال ، والميزان ، وأفعله أنا ، حتى تتطرق إليّ التهمة في ذلك. بل ما أنهاكم عن أمر ، إلا وأنا أول مبتدر لتركه. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي : ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم ، وتستقيم منافعكم ، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي ، شيء بحسب استطاعتي. ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس ، دفع هذا بقوله : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) أي : ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى ، لا بحولي ولا بقوتي. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي : اعتمدت في أموري ، ووثقت في كفايته ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات ، وفي هذا التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات. وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد ، وهما الاستعانة بربه ، والإنابة إليه ، كما قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) وقال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥).