الذين تحت ولاية الكفار ، وعملوا على جعل الولاية جمهورية ، يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية ، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية ، وتحرص على إبادتها ، وجعلهم عملة وخدما لهم. نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين ، وهم الحكام ، فهو المتعين. ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة ، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا ، مقدمة ، والله أعلم.
[٩٦ ـ ٩٩] يقول تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى) بن عمران (بِآياتِنا) الدالة على صدق ما جاء به ، كالعصا ، واليد ونحوهما من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليهالسلام. (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : حجة ظاهرة بينة ، ظهرت ظهور الشمس ، (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي : أشراف قومه لأنهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم ، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات التي أراهم إياها كما تقدم بسطها في سورة الأعراف. (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) بل هو ضال غاو ، لا يأمر إلا بما هو ضرر محض. لا جرم ـ لما اتبعه قومه ـ أرادهم وأهلكهم. (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ) أي : في الدنيا (لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : يلعنهم الله وملائكته ، والناس أجمعون في الدنيا والآخرة. (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي : بئس ما اجتمع لهم ، وترادف عليهم من عذاب الله ، ولعنة الدنيا والآخرة.
[١٠٠ ـ ١٠١] ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم ، قال الله تعالى لرسوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) لتنذر به ، ويكون آية على رسالتك ، وموعظة وذكرى للمؤمنين. (مِنْها قائِمٌ) لم يتلف ، بل بقي آثار ديارهم ، ما يدل عليهم ، (وَ) منها (حَصِيدٌ) قد تهدمت مساكنهم ، واضمحلت منازلهم ، فلم يبق لها أثر ، (وَما ظَلَمْناهُمْ) بأخذهم بأنواع العقوبات (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالشرك والكفر ، والعناد. (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) وهكذا كل من التجأ إلى غير الله ، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) أي : خسار ودمار ، بالضد مما خطر ببالهم.
[١٠٢] أي : يقصمهم بالعذاب ويبيدهم ، ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء.
[١٠٣ ـ ١٠٤] (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من أخذه للظالمين بأنواع العقوبات ، (لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) أي : لعبرة ودليلا على أن أهل الظلم والإجرام لهم العقوبة الدنيوية ، والعقوبة الأخروية. ثم انتقل من هذا ، إلى وصف الآخرة فقال : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) ، أي : جمعوا لأجل ذلك اليوم للمجازاة ، وليظهر لهم من عظمة الله وعدله العظيم ما به يعرفونه حق المعرفة. (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي : يشهده الله وملائكته ، وجميع المخلوقين ، (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي : إتيان يوم القيامة (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق ، فحينئذ ينقلهم إلى الدار الأخرى ، ويجري عليهم أحكامه الجزائية ، كما أجرى عليهم في الدنيا ، أحكامه الشرعية.
[١٠٥] (يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم ، ويجتمع الخلق (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) حتى الأنبياء ، والملائكة الكرام ، لا