أي : اعتمدت على الله ، لا على ما وصيتكم به من السبب ، (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فإن بالتوكل ، يحصل كل مطلوب ، ويندفع كل مرهوب.
[٦٨] (وَلَمَّا) ذهبوا و (دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ) ذلك الفعل (يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) وهو موجب الشفقة ، والمحبة للأولاد ، فحصل له في ذلك ، نوع طمأنينة ، وقضاء لما في خاطره. وليس هذا قصورا في علمه ، فإنه من الرسل الكرام ، والعلماء الربانيين ، ولهذا قال عنه : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ) أي : لصاحب علم عظيم (لِما عَلَّمْناهُ) أي : لتعليمنا إياه ، لا بحوله وقوته أدركه ، بل بفضل الله وتعليمه ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) عواقب الأمور ، ودقائق الأشياء وكذلك أهل العلم منهم ، يخفى عليهم من العلم وأحكامه ، ولوازمه شيء كثير.
[٦٩] أي : لما دخل إخوة يوسف على يوسف (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) أي : شقيقه وهو «بنيامين» الذي أمرهم بالإتيان به ، وضمه إليه ، واختصه من بين إخوته ، وأخبره بحقيقة الحال ، (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) أي : لا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فإن العاقبة خير لنا. ثم أخبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر.
[٧٠ ـ ٧١] (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) أي : كال لكل واحد من إخوته ، ومن جملتهم أخوه هذا ، (جَعَلَ السِّقايَةَ) وهو : الإناء الذي يشرب به ، ويكال فيه (فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَ) أوعوا متاعهم ، فلما انطلقوا ذاهبين ، (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ، ولعل هذا المؤذن ، لم يعلم بحقيقة الحال. (قالُوا) أي : إخوة يوسف (وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) لإبعاد التهمة. فإن السارق ، ليس له همّ إلا البعد والانطلاق عمن سرق منه ، لتسلم له سرقته ، وهؤلاء جاءوا مقبلين إليهم ، ليس لهم همّ إلا إزالة التهمة ، التي رموا بها عنهم ، فقالوا في هذه الحال : (ما ذا تَفْقِدُونَ) ولم يقولوا : «ما الذي سرقنا» لجزمهم بأنهم برآء من السرقة. (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي : أجرة له ، على وجدانه (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي : كفيل ، وهذا يقوله المتفقد.
[٧٣] (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) بجميع أنواع المعاصي ، (وَما كُنَّا سارِقِينَ) فإن السرقة ، من أكبر أنواع الفساد في الأرض ، وإنما أقسموا على علمهم ، أنهم ليسوا مفسدين ولا سارقين ، لأنهم عرفوا أنهم سبروا من أحوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم ، وأن هذا الأمر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم ، وهذا أبلغ في نفي التهمة ، من أن لو قالوا : «تالله لم نفسد في الأرض ولم نسرق».
[٧٤ ـ ٧٥] (قالُوا فَما جَزاؤُهُ) أي : جزاء هذا الفعل (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) بأن كان معكم؟ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ) أي الموجود في رحله (جَزاؤُهُ) بأن يتملكه صاحب السرقة ، وكان هذا في دينهم أن السارق إذا ثبتت عليه السرقة ، كان ملكا لصاحب المال المسروق ، ولهذا قالوا : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
[٧٦ ـ ٧٧] (فَبَدَأَ) المفتش (بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) وذلك لتزول الريبة التي يظن أنها فعلت بالقصد ، (ثُمَ) لما لم يجد في أوعيتهم شيئا (اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) ولم يقل «وجدها ، أو سرقها أخوه» مراعاة للحقيقة