والشهداء ، والصالحين ، ولتظهر آياته للخلق ، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة ، كالجهاد وغيره ، وليظهر ما كمن في غرائز المكلفين من الخير والشر بالامتحان ، وليتبين عدوه من وليه ، وحزبه من حربه ، وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه ، واتصف به ، فهذه حكم عظيمة ، يكفي بعضها في ذلك.
[٣١] ثم لما كان قول الملائكة عليهمالسلام ، فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض ، أراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله ، وكمال حكمة الله وعلمه ، فقال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ، أي : أسماء الأشياء ، وما هو مسمى لها ، فعلّمه الاسم والمسمّى ، أي : الألفاظ والمعاني ، حتى المصغر من الأسماء والمكبر ، كالقصعة والقصيعة. (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) ، أي : عرض المسميات (عَلَى الْمَلائِكَةِ) امتحانا لهم ، هل يعرفونها أم لا؟ (فَقالَ) (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم وظنكم ، أنكم أفضل من هذا الخليفة.
[٣٢] (قالُوا سُبْحانَكَ) ، أي : ننزهك من الاعتراض منا عليك ، ومخالفة أمرك ، (لا عِلْمَ لَنا) بوجه من الوجوه ، (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) إياه ، فضلا منك وجودا ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) العليم الذي أحاط علما بكل شيء ، فلا يغيب عنه ، ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. الحكيم : من له الحكمة التامة ، التي لا يخرج عنها مخلوق ، ولا يشذ عنها مأمور ، فما خلق شيئا إلا لحكمة ، ولا أمر بشيء إلا لحكمة ، والحكمة : وضع الشيء في موضعه اللائق به ، فأقروا ، واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ، واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.
[٣٣] فحينئذ قال الله : (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ، أي : أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها. (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) تبين للملائكة فضل آدم عليهم ، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة ، (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو ما غاب عنا ، فلم نشاهده ، فإذا كان عالما بالغيب ، فالشهادة من باب أولى ، (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) ، أي : تظهرون (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم ، إكراما له وتعظيما ، وعبودية لله تعالى ، فامتثلوا أمر الله ، وبادروا كلهم بالسجود ،
[٣٤] (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) امتنع عن السجود ، واستكبر عن أمر الله وعلى آدم ، قال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) ، وهذا الإباء منه والاستكبار ، نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه ، فتبينت حينئذ عداوته لله ، ولآدم ، وكفره واستكباره. وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى ، وأنه لم يزل متكلما ، يقول ما شاء ، ويتكلم بما شاء ، وأنه عليم حكيم ، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم ، واتهام عقله ، والإقرار لله بالحكمة ، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة ، وإحسانه بهم ، بتعليمهم ما جهلوا ، وتنبيههم على ما لم يعلموه. وفيه فضيلة العلم من وجوه : منها : أن الله تعرف لملائكته ، بعلمه وحكمته ، ومنها : أن الله عرّفهم فضل آدم بالعلم ، وأنه أفضل صفة تكون في العبد ، ومنها : أن الله أمرهم بالسجود لآدم ، إكراما له ، لما بان فضل