محذور ، وإنّما فيه إيهام أنه سارق ، ليحصل المقصود الحاضر ، وأن يبقى عنده أخوه ، وقد زال عن الأخ هذا الإيهام ، بعد ما تبينت الحال. ومنها : أنه لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه ، وتحققه بمشاهدة ، أو خبر من يثق به ، وتطمئن إليه النفس لقولهم : (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا). ومنها : هذه المحنة العظيمة ، التي امتحن الله بها نبيه وصفيه ، يعقوب عليهالسلام ، حيث قضى بالتفريق ، بينه وبين ابنه يوسف ، الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة ، ويحزنه ذلك أشد الحزن ، فحصل التفريق بينه وبينه ، مدة طويلة ، لا تقصر عن ثلاثين سنة ، ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). ثمّ ازداد به الأمر شدة ، حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني ، شقيق يوسف ، هذا وهو صابر لأمر الله ، محتسب الأجر من الله ، قد وعد من نفسه الصبر الجميل ، ولا شك أنه وفي بما وعد به. ولا ينافي ذلك ، قوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) فإن الشكوى إلى الله ، لا تنافي الصبر ، وإنّما الذي ينافيه ، الشكوى إلى المخلوقين. ومنها : أن الفرج مع الكرب ؛ وأن مع العسر يسرا ، فإنه لما طال الحزن على يعقوب ، واشتد به إلى أنهى ما يكون ، ثمّ حصل الاضطرار لآل يعقوب ، ومسهم الضر ، أذن الله حينئذ ، بالفرج ، فحصل التلاقي ، في أشد الأوقات إليه حاجة واضطرارا ، فتم بذلك الأجر ، وحصل السرور ، وعلم من ذلك ، أن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء ، والعسر واليسر ليمتحن صبرهم وشكرهم ، ويزداد ـ بذلك ـ إيمانهم ويقينهم وعرفانهم. ومنها : جواز إخبار الإنسان بما يجد ، وما هو فيه من مرض ، أو فقر ونحوهما ، على غير وجه التسخط ، لأن إخوة يوسف قالوا : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) ولم ينكر عليهم يوسف. ومنها : فضيلة التقوى ، وأن كل خير في الدنيا والآخرة ، فمن آثار التقوى والصبر ، وأن عاقبة أهلهما ، أحسن العواقب لقوله : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). ومنها : أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة ، بعد شدة ، وفقر ، وسوء حال ، أن يعترف بنعمة الله عليه ، وأن لا يزال ذاكرا حاله الأولى ، ليحدث لذلك شكرا ، كلما ذكرها ، لقول يوسف عليهالسلام : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ). ومنها : لطف الله العظيم بيوسف ، حيث نقله في تلك الأحوال ، وأوصل إليه الشدائد والمحن ، ليوصله بها إلى أعلى الغايات ، ورفيع الدرجات. ومنها : أنه ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائما ، في تثبيت إيمانه ، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك ، ويسأل الله حسن الخاتمة ، وتمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسّلام : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١). فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر ، في هذه القصة المباركة ، ولا بد أن يظهر للمتدبر المتفكر غير ذلك. فنسأله تعالى ، علما نافعا ، وعملا متقبلا ، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة يوسف عليه الصلاة والسّلام ، والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الرعد
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يخبر تعالى : أن هذا القرآن ، هو آيات الكتاب الدالة ، على كل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه ، وأن الذي أنزل إلى الرسول من ربه ، هو الحقّ المبين ، لأن إخباره صدق ، وأوامره ، ونواهيه ، عدل ، مؤيدة بالأدلة