وأسمائه وصفاته ، وأفعاله العظيمة ، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره ، فلا يتحرك منها متحرك ، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه.
[٤٩] (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) أي : الّذين وصفهم الإجرام ، وكثرة الذنوب ، (يَوْمَئِذٍ) في ذلك اليوم (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي : يسلسل كل أهل عمل من المجرمين ، بسلاسل من نار ، فيقادون إلى العذاب ، في أذل صورة وأشنعها ، وأبشعها.
[٥٠ ـ ٥١] (سَرابِيلُهُمْ) أي : ثيابهم (مِنْ قَطِرانٍ) وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ، ونتن ريحها ، (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ) التي هي أشرف ما في أبدانهم (النَّارُ) أي : تحيط بها ، وتصلاها من كل جانب ، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى ، وليس هذا ظلما من الله ، وإنّما هو جزاء لما قدموا وكسبوا ، ولهذا قال تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من خير وشر ، بالعدل والقسط ، الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه. (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) كقوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (١) ، ويحتمل أن معناه : سريع المحاسبة ، فيحاسب الخلق في ساعة واحدة كما يرزقهم ويدبرهم بأنواع التدابير ، في لحظة واحدة ، لا يشغله شأن عن شأن ، وليس ذلك بعسير عليه سبحانه.
[٥٢] فلما بين البيان المبين في هذا القرآن ، قال في مدحه : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) أي : يتبلغون به ، ويتزودون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات ، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع ، وجميع العلوم التي يحتاجها العباد. (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) لما فيه من الترهيب من أعمال الشر ، وما أعد الله لأهلها من العقاب ، (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين ، على ألوهيته ووحدانيته ، ما صار ذلك حق اليقين. (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : العقول الكاملة ، ما ينفعهم ، فيفعلونه وما يضرهم ، فيتركونه ، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر. إذ بالقرآن ، ازدادت معارفهم وآراؤهم ، وتنورت أفكارهم ، لما أخذوه غضا طريا ، فإنه لا يدعو إلا إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها ، ولا يستدل على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها. وهذه القاعدة إذا تدرب بها العبد الذكي ، لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة. والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الحجر
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى ـ معظما لكتابه ، مادحا له : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي : الآيات الدالة على أحسن المعاني ، وأفضل المطالب ، (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) للحقائق ، بأحسن لفظ وأوضحه ، وأدله على المقصود ، وهذا مما يوجب على الخلق ، الانقياد إليه ، والتسليم لحكمه وتلقيه بالقبول ، والفرح والسرور.
[٢] فأما من قابل هذه النعمة العظيمة بردها ، والكفر بها ، فإنه من المكذبين الضالين ، الّذين سيأتي عليهم وقت ، يتمنون أنهم مسلمون ، أي : منقادون لأحكامه ، وذلك حين ينكشف الغطاء ، وتظهر أوائل الآخرة ، ومقدمات الموت. فإنهم في أحوال الآخرة كلها ، يتمنون أنهم مسلمون ، وقد فات وقت الإمكان ، ولكنهم في هذه الدنيا مغترون.
[٣] (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بلذاتهم (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أي : يؤملون البقاء في الدنيا ، فيلهيهم عن