آخَرَ) وهو ربهم وخالقهم ، ومنه برهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) غبّ أفعالهم إذا وردوا القيامة. (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (٩٧) لك من التكذيب والاستهزاء. فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب ، والتعجيل لهم بما يستحقونه ، ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم.
[٩٨] (ف) أنت يا محمد سبح (بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) أي : أكثر من ذكر الله ، وتسبيحه ، وتحميده ، والصلاة ، فإن ذلك يوسع الصدر ، ويشرحه ، ويعينك على أمورك.
[٩٩] (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) أي : الموت ، أي : استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات ، فامتثل صلىاللهعليهوسلم أمر ربه ، فلم يزل دائبا في العبادة ، حتى أتاه اليقين من ربه صلىاللهعليهوسلم ، تسليما كثيرا.
سورة النحل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى ـ مقربا لما وعد به محققا لوقوعه ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، فإنه آت ، وما هو آت فإنه قريب ، (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) من نسبة الشريك ، والولد والصاحبة ، والكفء ، وغير ذلك ، مما نسبه إليه المشركون ، مما لا يليق بجلاله ، أو ينافي كماله ، ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه ، ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه ، مما يجب اتباعه ، في ذكر ما ينسب لله ، من صفات الكمال فقال :
[٢] (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) أي : بالوحي الذي به حياة الأرواح (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ممن يعلمه صالحا ، لتحمل رسالته. وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها ، على قوله : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) ، أي : على معرفة الله تعالى وتوحده ، في صفات العظمة ، التي هي صفات الألوهية ، وعبادته وحده لا شريك له ، فهي التي أنزل بها كتبه ، وأرسل بها رسله ، وجعل الشرائع كلها تدعو إليها ، وتحث وتجاهد من حاربها ، وقام بضدها ، ثم ذكر الأدلة والبراهين على ذلك.
[٣ ـ ٤] فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ) إلى (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، هذه السورة ، تسمى سورة النعم ، فإن الله ذكر في أولها ، أصول النعم وقواعدها ، وفي آخرها ، متمماتها ومكملاتها ، فأخبر أنه خلق السموات والأرض بالحق ، ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما ، وما له من نعوت الكمال ، ويعلموا أنه خلقهما سكنا لعباده الذين يعبدونه ، بما يأمرهم به ، في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله ، ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تنزه وتعاظم عن شركهم ، فإنه الإله حقا ، الذي لا تنبغي العبادة ، والحب ، والذل ، إلا له تعالى.
[٤ ـ ٥] ولما ذكر خلق السموات والأرض ، ذكر خلق ما فيهما. وبدأ بأشرف ذلك وهو الإنسان فقال :
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) لم يزل يدبرها ، ويربيها ، وينميها ، حتى صارت بشرا تاما ، كامل الأعضاء الظاهرة