تكذيب الله وتكذيب رسله ، وتكذيب الأمور العقلية ، والحسية ، (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : البين ، الظاهر ، الذي يصل إلى القلوب ، ولا يبقى لأحد على الله حجة ، فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه ، واحتجوا عليهم بالقدر ، فليس للرسل من الأمر شيء ، وإنما حسابهم على الله عزوجل.
[٣٦] يخبر تعالى ، أن حجته قامت على جميع الأمم ، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة ، إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة ، ودين واحد ، وهو : عبادة الله وحده لا شريك له (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ، فانقسمت الأمم ، بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها ، قسمين ، (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) فاتبعوا المرسلين ، علما ، وعملا ، (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) فاتبع سبيل الغيّ. (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأبدانكم وقلوبكم (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فإنكم سترون من ذلك ، العجائب ، فلا تجد مكذبا ، إلا كان عاقبته الهلاك.
[٣٧] (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) وتبذل جهدك في ذلك (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) ولو فعل كلّ سبب لم يهده إلا الله ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم من عذاب الله ويقونهم بأسه.
[٣٨] يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله ، أنهم (أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله ، وأنه (لا يَبْعَثُ) الأموات ، ولا يقدر على إحيائهم ، بعد أن كانوا ترابا ، قال تعالى مكذبا لهم : (بَلى) سيبعثهم ، ويجمعهم ، ليوم لا ريب فيه (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) لا يخلفه ولا يغيره (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، ومن جهلهم العظيم ، إنكارهم البعث والجزاء. ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال :
[٣٩] (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من المسائل الكبار والصغار ، فيبين حقائقها ويوضحها. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) حتى يروا أعمالهم حسرات عليهم ، وما نفعتهم آلهتهم ، التي يدعون مع الله من شيء ، لما جاء أمر ربك ، وحين يرون ما يعبدون حطبا لجهنم ، وتكور الشمس والقمر ، وتتناثر النجوم ، ويتضح لمن يعبدها ، أنها عبيد مسخرات ، وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات ، وليس ذلك على الله بصعب ولا شديد ، فإنه إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، من غير منازعة ولا امتناع ، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه.
[٤١] يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين (الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) أي : في سبيله ، وابتغاء مرضاته (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بالأذية والمحنة من قومهم ، الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك ، فتركوا الأوطان والخلان ، وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن ، فذكر لهم ثوابين ، ثوابا عاجلا في الدنيا ، من الرزق الواسع ، والعيش الهنيء ، الذي رأوه عيانا ، بعد ما هاجروا ، وانتصروا على أعدائهم ، وافتتحوا البلدان ، وغنموا منها الغنائم العظيمة ، فتمولوا ، وآتاهم الله في الدنيا حسنة. (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) الذي وعدهم الله على لسان رسوله خير ، و (أَكْبَرُ) من أجر الدنيا كما قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ