بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٢) ، وقوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي : لو كان لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله ، لم يتخلف عن ذلك أحد.
[٤٢] ثم ذكر وصف أوليائه فقال : (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أوامر الله وعن نواهيه ، وعلى أقدار الله المؤلمة ، وعلى الأذية فيه ، والمحن (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي : يعتمدون عليه في تنفيذ محابه ، لا على أنفسهم. وبذلك تنجح أمورهم ، وتستقيم أحوالهم ، فإن الصبر والتوكل ، ملاك الأمور كلها ، فما فات أحدا شيء من الخير ، إلا لعدم صبره ، وبذل جهده فيما أريد منه ، أو لعدم توكله واعتماده على الله.
[٤٣ ـ ٤٤] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) أي : لست ببدع من الرسل ، فلم نرسل قبلك ملائكة ، بل رجالا كاملين ، لا نساء ، (نُوحِي إِلَيْهِمْ) من الشرائع والأحكام ، ما هو من فضله وإحسانه على العبيد ، من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم ، (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي : الكتب السابقة (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) نبأ الأولين ، وشككتم : هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك ، الذين نزلت عليهم الزبر والبينات ، فعلموها وفهموها ، فإنهم كلهم ، قد تقرر عندهم ، أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى ، وعموم هذه الآية ، فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه ، العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم ، بالرجوع إليهم ، في جميع الحوادث ، وفي ضمنه ، تعديل لأهل العلم ، وتزكية لهم ، حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم ، والاتصاف بصفات الكمال. وأفضل أهل الذكر ، أهل هذا القرآن العظيم فإنهم أهل الذكر على الحقيقة ، وأولى من غيرهم بهذا الاسم ، ولهذا قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) أي : القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد ، من أمور دينهم ودنياهم ، الظاهرة والباطنة ، (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وهذا شامل لتبيين ألفاظه ، وتبيين معانيه ، (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيه ، فيستخرجون من كنوزه وعلومه ، بحسب استعدادهم ، وإقبالهم عليه.
[٤٥ ـ ٤٦] هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب ، وأنواع المعاصي ، من أن يأخذهم بالعذاب على غرّة ، وهم لا يشعرون ، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم ، أو من أسفل منهم ، بالخسف أو غيره وإما في حال تقلّبهم وشغلهم ، وعدم خطور العذاب ببالهم ، وإما في حال تخوّفهم من العذاب ، فليسوا بمعجزين الله ، في حالة من هذه الأحوال ، بل هم تحت قبضته ، ونواصيهم بيده.
[٤٧] ولكنه رؤوف رحيم ، لا يعاجل العاصين بالعقوبة ، بل يمهلهم ويعاقبهم ويرزقهم وهم يؤذونه ، ويؤذون أولياءه ، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة ، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات ، التي تضرهم ، ويعدهم بذلك ، أفضل الكرامات ، ومغفرة ما صدر عنهم من الذنوب ، فليستح المجرم من ربه ، أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع الحالات ، ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات ، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل ، وأنه إذا أخذ العاصي ، أخذه