بذلك.
[٦٨ ـ ٦٩] في خلق هذه النحلة الصغيرة ، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة ، ويسر لها المراعي ، ثم الرجوع إلى بيوتها ، التي أصلحتها ، بتعليم الله لها وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان ، بحسب اختلاف أرضها ومراعيها ، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى ، وتمام لطفه بعباده ، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعى سواه.
[٧٠] يخبر تعالى ، أنه الذي خلق العباد ، ونقلهم في الخلقية ، طورا بعد طور ، ثم بعد أن يستكملوا آجالهم ، يتوفاهم ، ومنهم من يعمره حتى (يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي : أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة ، حتى العقل ، الذي هو جوهر الإنسان ، يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه ، ويصير عقله كعقل الطفل ولهذا قال : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أي : قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء ، ومن ذلك ، ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة ، خلقا بعد خلق ، كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (٥٤).
[٧١] هذا من أدلة توحيده ، وقبح الشرك به ، يقول تعالى : كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون ، إلا أنه تعالى (فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فجعل منكم أحرارا ، لهم مال وثروة ، ومنكم أرقاء لهم ، لا يملكون شيئا من الدنيا ، فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) ويرون هذا من الأمور الممتنعة ، فكذلك من أشركتم بها مع الله ، فإنها عبيد ، ليس لها من الملك ، مثقال ذرة ، فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟ هل هذا ، إلا من أعظم الظلم ، والجحود لنعم الله؟!! ولهذا قال : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها ، لما أشركوا به أحدا.
[٧٢] يخبر تعالى ، عن منّته العظيمة على عباده ، حيث جعل لهم أزواجا ، ليسكنوا إليها ، وجعل لهم من أزواجهم ، أولادا تقرّ بهم أعينهم ويخدمونهم ، ويقضون حوائجهم ، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة ، ورزقهم من الطيبات ، من المآكل ، والمشارب ، والنعم الظاهرة ، التي لا يقدر العباد أن يحصوها. (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي : أيؤمنون بالباطل ، الذي لم يكن شيئا مذكورا ، ثم أوجده الله ، وليس له من وجوده سوى العدم ، فلا تخلق ، ولا ترزق ، ولا تدبر من الأمور شيئا ، وهذا عام لكل ما عبد من دون الله ، فإنها باطلة ، فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟ (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) يجحدونها ، ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به ، هل هذا إلا من أظلم الظلم ، وأفجر الفجور ، وأسفه السفه؟!!
[٧٣] يخبر تعالى ، عن جهل المشركين وظلمهم ، أنهم يعبدون من دونه آلهة ، اتخذوها شركاء لله ، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا ، من السموات والأرض ، فلا ينزلون مطرا ، ولا رزقا ، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا ، ولا يملكون مثقال ذرة في السموات والأرض ، ولا يستطيعون لو أرادوا ، فإن غير المالك للشيء ، ربما كان له قوة