والإشكال ، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين.
[٦٣] ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني إسرائيل بما فعل سلفهم ، فقال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) الآية ، أي : واذكروا (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم ، برفع الطور فوقهم ، وقيل لهم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) من التوراة (بِقُوَّةٍ) ، أي : بجد واجتهاد ، وصبر على أوامر الله ، (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ، أي : ما في كتابكم ، بأن تتلوه وتتعلموه ، (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عذاب الله وسخطه ، أو لتكونوا من أهل التقوى.
[٦٤] فبعد هذا التأكيد البليغ (تَوَلَّيْتُمْ) وأعرضتم ، وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات ، ولكن (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
[٦٥] (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) ، أي :
ولقد تقرر عندكم حالة (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف في قوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) الآيات. فأوجب لهم هذا الذنب العظيم ، أن غضب الله عليهم ، وجعلهم (قِرَدَةً خاسِئِينَ) حقيرين ذليلين.
[٦٦] وجعل الله هذه العقوبة (نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها) ، أي : لمن حضرها من الأمم ، وبلغه خبرها ، ممن هو في وقتهم ، (وَما خَلْفَها) ، أي : من بعدها ، فتقوم على العباد حجة الله ، وليرتدعوا عن معاصيه ، ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين ، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات.
[٦٧] (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) ، أي : واذكروا ما جرى لكم مع موسى ، حين قتلتم قتيلا ، فادارأتم فيه ، أي : تدافعتم واختلفتم في قاتله ، حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد ـ لو لا تبيين الله لكم ـ يحدث بينكم شر كبير ، فقال لكم موسى في تبيين القاتل : اذبحوا بقرة ، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره ، وعدم الاعتراض عليه ، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض ، فقالوا : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) ، فقال نبي الله : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه ، وهو الذي يستهزىء بالناس. وأما العاقل ، فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل ، استهزاءه بمن هو آدمي مثله ، وإن كان قد فضل عليه ، فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه ، والرحمة لعباده. فلما قال لهم موسى ذلك ، علموا أن ذلك صدق ، فقالوا :
[٦٨] (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ، أي : ما سنها؟ (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) ، أي : كبيرة (وَلا بِكْرٌ) ، أي : صغيرة (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) ، أي : متوسطة بين السنين المذكورين سابقا ، وهما الصغر والكبر. (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) واتركوا التشديد والتعنت.
[٦٩] (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) ، أي : شديد (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) من حسنها.
[٧٠] (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) ، فلم نهتد إلى ما نريد (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ).