خيرا ، ومقربة له إلى ربه ، وأن يكون له ـ على كل حالة من أحواله ـ دليل ظاهر ، وذلك متضمن للعلم النافع ، والعمل الصالح ، للعلم بالمسائل والدلائل.
[٨١] وقوله : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) والحق هو : ما أوحاه الله إلى رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، فأمره الله أن يقول ويعلن ، وقد جاء الحق الذي لا يقوم له شيء ، وزهق الباطل أي : اضمحل وتلاشى. (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) أي : هذا وصف الباطل ، ولكنه قد يكون له صولة ورواج ، إذا لم يقابله الحق ، فعند مجيء الحق ، يضمحل الباطل ، فلا يبقى له حراك. ولهذا لا يروج الباطل ، إلا في الأزمان والأمكنة الخالية من العلم بآيات الله وبيناته.
[٨٢] وقوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) إلى (إِلَّا خَساراً). أي : فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة. وليس ذلك لكل أحد ، وإنما ذلك للمؤمنين به ، المصدقين بآياته ، العاملين به. وأما الظالمون بعدم التصديق به ، أو عدم العمل به ، فلا تزيدهم آياته إلا خسارا. إذ به تقوم عليهم الحجة. فالشفاء الذي تضمنه القرآن ، عام لشفاء القلوب ، من الشبه ، والجهالة ، والآراء الفاسدة والانحراف السيّء ، والقصود الرديئة. فإنه مشتمل على العلم اليقين ، الذي تزول به كل شبهة وجهالة ، والوعظ والتذكير ، الذي يزول به كل شهوة ، تخالف أمر الله. ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها. وأما الرحمة ، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها ، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية ، والثواب العاجل والآجل.
[٨٣] هذه طبيعة الإنسان ، من حيث هو إلا من هداه الله. فإن الإنسان ـ عند إنعام الله عليه ـ يفرح بالنعم ، ويبطر بها ، ويعرض ، وينأى بجانبه عن ربه ، فلا يشكره ، ولا يذكره. (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) كالمرض ونحوه (كانَ يَؤُساً) من الخير ، قد قطع من ربه رجاءه ، وظن أن ما هو فيه ، دائم أبدا. وأما من هداه الله ، فإنه ـ عند النعم ـ يخضع لربه ، ويشكر نعمته ، وعند الضراء ، يتضرع ، ويرجو من الله عافيته ، وإزالة ما يقع فيه ، وبذلك يخف عليه البلاء.
[٨٤] أي : (قُلْ كُلٌ) من الناس (يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : على ما يليق به من الأحوال. إن كانوا من الصفوة الأبرار ، لم يشاكلهم إلا عملهم لرب العالمين. ومن كانوا من غيرهم من المخذولين لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين ، ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم. (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) فيعلم من يصلح للهداية ، فيهديه ، ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه.
[٨٥] وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل ، التي يقصد بها التعنت والتعجيز ، ويدع السؤال عن المهم ، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية ، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها ، كل أحد ، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد. ولهذا أمر الله رسوله ، أن يجيب سؤالهم بقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي : من جملة مخلوقاته ، التي أمرها أن تكون فكانت. فليس في السؤال عنها ، كبير فائدة ، مع عدم علمكم بغيرها. وفي هذه الآية دليل ، على أن المسئول إذا سئل عن أمر ، الأولى به أن يعرض عن إجابة السائل عما سأل عنه ، ويدله على ما يحتاج