(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) ، أي : مذللة بالعمل ، (تُثِيرُ الْأَرْضَ) بالحراثة ، (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) ، أي : ليست بساقية ، (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب أو من العمل (لا شِيَةَ فِيها) ، أي : لا لون فيها غير لونها الموصوف المتقدم. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) ، أي : بالبيان الواضح ، وهذا من جهلهم ، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة ، فلو أنهم اعترضوا أي بقرة ، لحصل المقصود ، ولكنهم شددوا بكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم ، ولو لم يقولوا «إن شاء الله» لم يهتدوا أيضا إليها. (فَذَبَحُوها) ، أي : البقرة التي وصفت بتلك الصفات ، (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) بسبب التعنت الذي جرى منهم.
[٧٣] فلما ذبحوها ، قلنا لهم اضربوا القتيل ببعضها ، أي : بعضو منها ، إما بعضو معين ، أو أي عضو منها ، فليس في تعيينه فائدة ، فضربوه ببعضها فأحياه الله ، وأخرج ما كانوا يكتمون ، فأخبر بقاتله ، وكان في إحيائه ـ وهم يشاهدون ـ ما يدل على إحياء الله الموتى ، لعلكم تعقلون ، فتنزجرون عن ما يضركم.
[٧٤] (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) ، أي : اشتدت وغلظت ، فلم تؤثر فيها الموعظة ، (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي : من بعد ما أنعم الله عليكم بالنعم العظيمة ، وأراكم الآيات ، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم لأن ما شاهدتم مما يوجب رقة القلب وانقياده. ثم وصف قسوتها بأنها (كَالْحِجارَةِ) التي هي أشد قسوة من الحديد ، لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار ذاب بخلاف الأحجار. وقوله : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ، أي : إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار ، وليست «أو» بمعنى «بل». ثم ذكر فضيلة الأحجار على قلوبهم ، فقال : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) فبهذه الأمور فضلت قلوبكم. ثم توعدهم تعالى أشد الوعيد ، فقال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، بل هو عالم بها حافظ لصغيرها وكبيرها ، وسيجازيكم على ذلك ، أتم الجزاء وأوفاه. واعلم أن كثيرا من المفسرين رحمهمالله ، قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل ، ونزلوا عليها الآيات القرآنية ، وجعلوها تفسيرا لكتاب الله ، محتجين بقوله صلىاللهعليهوسلم : «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج». والذي أرى أنه ـ وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه ـ تكون مفردة غير مقرونة ، ولا منزلة على كتاب الله ، فإنه لا يجوز جعلها تفسيرا لكتاب الله قطعا إذا لم تصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن مرتبتها كما قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» ، فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكا فيها ، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به ، والقطع بألفاظه ومعانيه ، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة ، التي يغلب على الظن كذبها ، أو كذب أكثرها ، معاني لكتاب الله ، مقطوعا بها ، ولا يستريب بها أحد ، ولكن بسبب الغفلة عن هذا ، حصل ما حصل ، والله الموفق.
[٧٥] (أَفَتَطْمَعُونَ) ، هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب ، أي : فلا تطمعوا في إيمانهم. وأخلاقهم لا تقتضي الطمع فيهم ، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه ، فيضعون له معاني ، ما أرادها الله ، ليوهموا الناس أنها من عند الله ، وما هي من عند الله ، فإذا كانت حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم ،