وطغيانه ، قال ـ مخبرا عن نفسه ـ على وجه الشكر لربه ، والإعلان بدينه ، عند ورود المجادلات والشبه : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) (٣٨). فأقر بربوبية ربه ، وانفراده فيها ، والتزام طاعته وعبادته ، وأنه لا يشرك له أحدا من المخلوقين. ثم أخبر أن نعمة الله عليه ، بالإيمان والإسلام ، ولو مع قلة ماله وولده ـ أنها ، هي النعمة الحقيقة ، وأن ما عداها ، معرّض للزوال والعقوبة عليه والنكال ، فقال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ) إلى (وَخَيْرٌ عُقْباً).
[٤٠ ـ ٤١] أي : قال للكافر صاحبه المؤمن : أنت ـ وإن فخرت عليّ بكثرة مالك وولدك ، ورأيتني أقل منك مالا وولدا ـ فإن ما عند الله ، خير وأبقى ، وما يرجى من خيره وإحسانه ، أفضل من جميع الدنيا ، التي يتنافس فيه المتنافسون. (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها) أي : على جنتك التي طغيت بها وغرتك (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أي : عذابا ، بمطر عظيم أو غيره. (فَتُصْبِحَ) بسبب ذلك (صَعِيداً زَلَقاً) أي : قد اقتلعت أشجارها ، وتلفت ثمارها ، وغرق زرعها ، وزال نفعها. (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها) الذي مادتها منه (غَوْراً) أي : غائرا في الأرض (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي : غائرا لا يستطاع الوصول إليه ، بالمعاول ولا بغيرها. وإنما دعا على جنته المؤمن ، غضبا لربه ، لكونها غرته وأطغته ، واطمأن إليها ، لعله ينيب ، ويراجع رشده ، ويتبصر في أمره.
[٤٢] فاستجاب الله دعاءه (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أي : أصابه عذاب ، أحاط به ، واستهلكه ، فلم يبق منه شيء ، والإحاطة بالثمر ، يستلزم تلف جميع أشجاره ، وثماره ، وزرعه ، فندم كل الندامة ، واشتد لذلك أسفه ، (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) أي : على كثرة نفقاته الدنيوية عليها ، حيث اضمحلت وتلاشت ، فلم يبق لها عوض ، وندم أيضا على شركه ، وشره ، ولهذا قال : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً).
[٤٣] قال الله تعالى : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) (٤٣) ، أي : لما نزل العذاب بجنته ، ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله لصاحبه : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) فلم يدفعوا عنه من العذاب شيئا ، أشد ما كان إليهم حاجة ، وما كان بنفسه منتصرا ، وكيف ينتصر ، أو يكون له انتصار ، على قضاء الله وقدره ، الذي إذا أمضاه وقدره ، لو اجتمع أهل السماء والأرض على إزالة شيء منه ، لم يقدروا؟ ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه ، أن صاحب هذه الجنة ، التي أحيط بها ، تحسنت حاله ، ورزقه الله الإنابة إليه ، وراجع رشده ، وذهب تمرده وطغيانه ، بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه ، وأن الله أذهب عنه ما يطغيه ، وعاقبه في الدنيا ، وإذا أرادا الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا. وفضل الله لا تحيط به الأوهام والعقول ، ولا ينكره إلا ظالم جهول.
[٤٤] (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (٤٤) أي : في تلك الحال التي أجرى الله فيها العقوبة على من طغى ، وآثر الحياة الدنيا ، والكرامة لمن آمن ، وعمل صالحا ، وشكر الله ، ودعا غيره ، لذلك تبين وتوضح ، أن الولاية الحق ، لله وحده. فمن كان مؤمنا به تقيا ، كان له وليا ، فأكرمه بأنواع الكرامات ، ودفع عنه الشرور