والتقدير ، هو الله ، خالق الأشياء كلها ، المتصرف فيها بحكمته ، فكيف يجعل له شركاء من الشياطين ، يوالون ويطاعون ، كما يطاع الله ، وهم لم يخلقوا ، ولم يشهدوا خلقا ، ولم يعاونوا الله تعالى؟ ولهذا قال : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي : معاونين ، مظاهرين لله على شأن من الشؤون ، أي : ما ينبغي ، ولا يليق بالله ، أن يجعل لهم قسطا من التدبير ، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم ، فاللائق ، أن يقصيهم ولا يدنيهم.
[٥٢] ولما ذكر حال من أشرك به في الدنيا ، وأبطل هذا الشرك غاية الإبطال ، وحكم بجهل صاحبه وسفهه ، أخبر عن حالهم مع شركائهم يوم القيامة ، وأن الله يقول لهم : (نادُوا شُرَكائِيَ) بزعمكم أي : على موجب زعمكم الفاسد ، وإلا ، فالحقيقة ، ليس لله شريك في الأرض ولا في السماء ، أي : نادوهم ، لينفعوكم ، ويخلصوكم من الشدائد ، (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لأن الحكم والملك يومئذ لله ، لا أحد يملك مثقال ذرة من النفع لنفسه ، ولا لغيره. (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) أي : بين المشركين وشركائهم (مَوْبِقاً) أي : مهلكا ، يفرق بينهم وبينهم ، ويبعد بعضهم من بعض ، ويتبين حينئذ ، عداوة الشركاء لشركائهم ، وكفرهم بهم ، وتبرّيهم منهم ، كما قال تعالى : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦).
[٥٣] أي : لما كان يوم القيامة وحصل من الحساب ما حصل ، وتميز كل فريق من الخلق بأعمالهم ، وحقت كلمة العذاب على المجرمين ، فرأوا جهنم قبل دخولها ، فانزعجوا ، واشتد قلقهم ، لظنهم أنهم مواقعوها ، وهذا الظن قال المفسرون : إنه بمعنى اليقين ، فأيقنوا أنهم داخلوها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي : معدلا يعدلون إليه ، ولا شافع لهم من دون إذنه ، وفي هذا من التخويف والترهيب ، ما ترعد له الأفئدة والقلوب.
[٥٤] يخبر الله تعالى ، عن عظمة القرآن وجلالته وعمومه وأنه صرّف فيه من كل مثل ، أي : من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة ، والسعادة الأبدية ، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك ، ففيه أمثال الحلال والحرام ، وجزاء الأعمال ، والترغيب والترهيب ، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب ، اعتقادا وطمأنينة ، ونورا ، وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن وتلقيه بالانقياد والطاعة ، وعدم المنازعة له ، في أمر من الأمور ، ومع ذلك ، كان كثير من الناس ، يجادلون في الحق ، بعد ما تبين ، ويجادلون بالباطل (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ولهذا قال : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي : مجادلة ومنازعة فيه ، مع أن ذلك ، غير لائق بهم ، ولا عدل منهم ، والذي أوجب له ذلك ، وعدم الإيمان بالله ، إنما هو الظلم والعناد ، لا لقصور في بيانه وحجته ، وبرهانه ، وإلا ، فلو جاءهم العذاب ، وجاءهم ما جاء قبلهم ، لم تكن هذه حالهم ، ولهذا قال : (وَما مَنَعَ النَّاسَ) إلى (قُبُلاً).
[٥٥] أي : ما منع الناس من الإيمان ، والحال أن الهدى الذي يحصل به الفرق ، بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، قد وصل إليهم ، وقامت عليهم حجة الله ، فلم يمنعهم عدم البيان ، بل منعهم الظلم والعدوان ، عن الإيمان ، فلم يبق إلا أن تأتيهم سنة الله ، وعادته في الأولين من أنهم إذا لم يؤمنوا ، عوجلوا بالعذاب ، أو يرون