يصدون به الناس عن سبيل الله ، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟ فهذا من أبعد الأشياء.
[٧٦] ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) فأظهروا لهم الإيمان قولا بألسنتهم ، ما ليس في قلوبهم ، (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم ، قال بعضهم لبعض : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) ، أي : أتظهرون لهم الإيمان وتخبرونهم أنكم مثلهم ، فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟ يقولون : إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق ، وما هم عليه باطل ، فيحتجون عليكم بذلك عند ربهم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، أي : أفلا يكون لكم عقل ، فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض.
[٧٧] (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٧) فهم وإن أسرّوا ما يعتقدونه فيما بينهم ، وزعموا أنهم بإسرارهم ، لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين ، فإن هذا غلط منهم وجهل كبير ، فإن الله يعلم سرهم وعلنهم ، فيظهر لعباده ما هم عليه.
[٧٨] (وَمِنْهُمْ) ، أي : من أهل الكتاب (أُمِّيُّونَ) ، أي : عوام ، وليسوا من أهل العلم ، (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) ، أي : ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط ، وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم ، وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم. فذكر في هذه الآيات علماءهم ، وعوامهم ، ومنافقيهم ، ومن لم ينافق منهم ، فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال. والعوام مقلدون لهم ، لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين.
[٧٩] (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ) ، توعد تعالى المحرّفين للكتاب ، الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون (هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق ، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، والدنيا كلها ـ من أولها إلى آخرها ـ ثمن قليل. فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس ، فظلموهم من وجهين : من جهة تلبيس دينهم عليهم ، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق ، بل بأبطل الباطل ، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما ، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) ، أي : من التحريف والباطل ، (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الأموال ، والويل : شدة العذاب والحسرة ، وفي ضمنها الوعيد الشديد. قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ) ، إلى : (يَكْسِبُونَ) : فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة ، على ما أصله من البدع الباطلة. وذمّ الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهو متناول لمن ترك سر تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتابا بيده ، مخالفا لكتاب الله ، لينال به دنيا ، وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول : هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا معقول السلف والأئمة ، وهذا هو أصول الدين ، الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة ، لئلا يحتج به مخالفة في الحق الذي يقوله. وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل