مسافة طويلة ، المعنى : أن الشوق والرغبة ، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة ، وهذا عزم منه جازم ، فلذلك أمضاه.
[٦١] (فَلَمَّا بَلَغا) أي : هو وفتاه (مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما) وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان وقد وعد أنه متى فقد الحوت فثمّ ذلك العبد ، الذي قصدته ، فاتخذ ذلك الحوت سبيله ، أي : طريقه في البحر سربا وهذا من الآيات. قال المفسرون إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه ، لما وصلا إلى ذلك المكان ، أصابه بلل البحر ، فانسرب بإذن الله في البحر ، وصار مع حيواناته حيا.
[٦٢] فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين ، قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) أي : لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط ، وإلا فالسفر الطويل ، الذي وصلا به إلى مجمع البحرين ، لم يجدا من التعب فيه ، وهذا من الآيات والعلامات ، الدالة لموسى ، على وجود مطلبه ، وأيضا ، فإن الشوق المتعلق بالوصول إلى ذلك المكان ، سهل لهما الطريق ، فلما تجاوزا غايتهما ، وجدا مس التعب ، فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة ، قال له فتاه :
[٦٣] (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) لأنه السبب في ذلك (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) أي : لما انسرب في البحر ، ودخل فيه ، كان ذلك من العجائب. قال المفسرون : كان ذلك المسلك للحوت سربا ، ولموسى وفتاه عجبا.
[٦٤] فلما قال له الفتى هذا القول ، وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت ، وجد الخضر ، فقال موسى : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) أي : نطلب (فَارْتَدَّا) أي : رجعا (عَلى آثارِهِما قَصَصاً) أي : رجعا يقصان أثرهما ، الذي نسيا فيه الحوت.
[٦٥] فلما وصلا إليه ، وجدا (عَبْداً مِنْ عِبادِنا) ، وهو الخضر ، وكان عبدا صالحا ، لا نبيا على الصحيح.
(آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي : أعطاه الله رحمة خاصة ، بها زاد علمه ، وحسن عمله (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا (عِلْماً) ، وكان قد أعطي من العلم ، ما لم يعط موسى ، وإن كان موسى عليهالسلام أعلم منه بأكثر الأشياء ، وخصوصا في العلوم الإيمانية ، والأصولية ، لأنه من أولي العزم من المرسلين ، الّذين فضلهم الله على سائر الخلق ، بالعلم ، والعمل ، وغير ذلك.
[٦٦ ـ ٦٧] فلما اجتمع به موسى ، قال له ، على وجه الأدب والمشاورة ، والإخبار عن مطلبه : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) أي : هل أتبعك هل أن تعلمني مما علمك الله ، ما به أسترشد وأهتدي ، وأعرف به الحق في تلك القضايا؟ وكان الخضر ، قد أعطاه الله من الإلهام والكرامة ، ما به يحصل له الاطلاع ، على بواطن كثير من الأشياء ، التي خفيت ، حتى على موسى عليهالسلام ، فقال الخضر لموسى : لا أمتنع من ذلك ، ولكنك (لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أي : لا تقدر على اتباعي وملازمتي ، لأنك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الأمور ، التي ظاهرها المنكر ، وباطنها غير ذلك.