أي : هذه الأبحر الموجودة في العالم ، (مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) أي : وأشجار الدنيا ، من أولها إلى آخرها ، من أشجار البلدان والبراري ، والبحار ، أقلام ، (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) وتكسرت الأقلام (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) وهذا شيء عظيم ، لا يحيط به أحد. وفي الآية الأخرى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧). وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان ، لأن هذه الأشياء مخلوقة ، وجميع المخلوقات ، منقضية منتهية ، وأما كلام الله ، فإنه من جملة صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ، ولا لها حد ولا منتهى ، فأيّ سعة وعظمة تصورتها القلوب ، فالله فوق ذلك ، وهكذا سائر صفات الله تعالى ، كعلمه ، وحكمته ، وقدرته ، ورحمته ، فلو جمع علم الخلائق ، من الأولين والآخرين ، أهل السموات وأهل الأرض ، لكان بالنسبة إلى علم العظيم ، أقل من نسبة عصفور ، وقع على حافة البحر ، فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته ، ذلك بأن الله ، له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة ، وأن إلى ربك المنتهى.
[١١٠] أي : (قُلْ) يا محمد للكفار وغيرهم : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : لست بإله ، ولا لي شركة في الملك ، ولا علم بالغيب ، ولا عندي خزائن الله. (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) عبد من عبيد ربي ، (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي : فضلت عليكم بالوحي ، الذي يوحيه إلي ، الذي أجله الإخبار لكم ، أنما إلهكم إله واحد ، أي : لا شريك له ، ولا أحد يستحق من العبادة مثقال ذرة ، وأدعوكم إلى العمل الذي يقربكم منه ، وينيلكم ثوابه ، ويدفع عنكم عقابه. ولهذا قال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) وهو الموافق لشرع الله ، من واجب ومستحب. (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي : لا يرائي بعمله ، بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى ، فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة ، هو الذي ينال ما يرجو ويطلب ، وأما من عدا ذلك ، فإنه خاسر في دنياه وأخراه ، وقد فاته القرب من مولاه ، ونيل رضاه. انتهى تفسير سورة الكهف ، ولله الحمد.
تفسير سورة مريم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[٢ ـ ٣] أي : هذا (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (٢) سنقصه عليك ، ونفصله تفصيلا ، يعرف به حالة نبيه زكريا ، وآثاره الصالحة ، ومناقبه الجميلة ، فإن في قصها عبرة للمعتبرين ، وأسوة للمقتدين ، ولأن في تفصيل رحمته