على أحسن نظام وأكمله ، ليس فيه غفلة ولا إهمال ، ولا سدى ، ولا باطل ، برهان قاطع على علمه الشامل ، فلا تشغل نفسك بذلك ، بل اشغلها بما ينفعك ، ويعود عليك طائله وهو : عبادته وحده ، لا شريك له. (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي : اصبر نفسك عليها ، وجاهدها ، وقم عليها أتم القيام وأكمله بحسب قدرتك. وفي الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشتهيات ، كما قال تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) إلى أن قال : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) الآية. (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي : هل تعلم لله مساميا ، ومشابها ، ومماثلا من المخلوقين. وهذا استفهام بمعنى النّفي ، المعلوم بالعقل. أي : لا تعلم له مساميا ولا مشابها ، لأنه الرب ، وغيره مربوب ، الخالق ، وغيره مخلوق ، الغني من جميع الوجوه ، وغيره فقير بالذات من كل وجه ، الكامل ، الذي من الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال ، إلا ما أعطاه الله تعالى ، فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية ، وأن عبادته حق ، وعبادة ما سواه باطل ، فلهذا أمر بعبادته وحده ، والاصطبار عليها ، وعلل بكماله وانفراده ، بالعظمة ، والأسماء الحسنى.
[٦٦] المراد بالإنسان هاهنا ، كل منكر للبعث ، مستبعد لوقوعه. فيقول ـ مستفهما على وجه النفي والعناد والكفر ـ (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا). أي : كيف يعيدني الله حيا بعد الموت ، وبعد ما كنت رميما؟ هذا لا يكون ولا يتصور ، وهذا بحسب عقله الفاسد ، ومقصده السيّء ، وعناده لرسل الله وكتبه ، فلو نظر أدنى نظر ، وتأمل أدنى تأمل ، لرأى استبعاده للبعث ، في غاية السخافة.
[٦٧] ولهذا ذكر تعالى برهانا قاطعا ، ودليلا واضحا ، يعرفه كل أحد على إمكان البعث فقال : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (٦٧) أي : أو لا يلفت نظره ، ويستذكر حالته الأولى ، وأن الله خلقه أول مرة ، ولم يك شيئا. فمن قدر على خلقه من العدم ، ولم يك شيئا مذكورا ، أليس بقادر على إنشائه بعد ما تمزق ، وجمعه بعد ما تفرق؟ وهذا كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ). وفي قوله : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) دعوة للنظر ، بالدليل العقلي ، بألطف خطاب ، وأن إنكار من أنكر ذلك ، مبني على غفلة منه عن حاله الأولى. وإلا فلو تذكرها وأحضرها في ذهنه ، لم ينكر ذلك.
[٦٨] أقسم الله تعالى وهو أصدق القائلين ـ بربوبيته ، ليحشرن هؤلاء المنكرين للبعث ، هم وشياطينهم وليجمعنهم لميقات يوم معلوم. (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي : جاثين على ركبهم من شدة الأهوال ، وكثرة الزلزال ، وفظاعة الأحوال ، منتظرين لحكم الكبير المتعال.
[٦٩] ولهذا ذكر حكمه فيهم فقال : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩) أي : ثم لننزعن من كل طائفة وفرقة من الظالمين المشتركين في الظلم والكفر ، والعتوّ أشدهم عتوا ، وأعظمهم ظلما ، وأكبرهم كفرا فيقدمهم إلى العذاب ، ثم هكذا يقدم إلى العذاب ، الأغلظ إثما ، فالأغلظ ، وهم في تلك الحال متلاعنون ، يلعن