سورة طه
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (طه) (١) من جملة الحروف المقطعة ، المفتتح بها كثير من السور ، وليست اسما للنبي صلىاللهعليهوسلم.
[٢] (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) أي : ليس المقصود بالوحي ، وإنزال القرآن عليك ، وشرع الشريعة ، لتشقى بذلك ، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين وتعجز عنه قوى العاملين. وإنما الوحي ، والقرآن والشرع ، شرعه الرحيم الرحمن ، وجعله موصلا للسعادة ، والفلاح ، والفوز ، وسهله غاية التسهيل ، ويسر كل طرقه وأبوابه ، وجعله غذاء للقلوب والأرواح ، وراحة للأبدان ، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة ، بالقبول ، والإذعان ، لعلمها بما احتوى عليه ، من الخير في الدنيا والآخرة.
[٣] ولهذا قال : (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٣) أي : إلا ليتذكر به من يخشى الله تعالى ، فيتذكر ما فيه من الترغيب ، لأجل المطالب ، فيعمل بذلك ، ومن الترهيب عن الشقاء والخسران ، فيرهب منه ، ويتذكر به الأحكام الحسنة الشرعية المفصلة ، التي كانت مستقرا في عقله حسنها مجملا ، فوافق التفصيل ما يجده في فطرته وعقله ، ولهذا سماه الله (تَذْكِرَةً). والتذكرة لشيء كان موجودا ، إلا أن صاحبه غافل عنه ، أو غير مستحضر لتفصيله. وخص بالتذكرة (لِمَنْ يَخْشى) لأن غيره لا ينتفع به ، وكيف ينتفع به من لم يؤمن بجنة ولا نار ، ولا في قلبه من خشية الله مثقال ذرة؟ هذا ما لا يكون. (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) (١٢). ثم ذكر جلالة هذا القرآن العظيم ، وأنه تنزيل خالق الأرض والسموات ، المدبر لجميع المخلوقات ، أي : فاقبلوا تنزيله ، بغاية الإذعان ، والمحبة ، والتسليم ، وعظموه نهاية التعظيم.
[٤] وكثيرا ما يقرن بين الخلق والأمر ، كما في هذه الآية ، وكما في قوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) وفي قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) وذلك أنه الخالق الآمر الناهي ، فكما أنه لا خالق سواه ، فليس على الخلق إلزام ، ولا أمر ، ولا نهي إلا من خالقهم ، وأيضا ، فإن خلقه للخلق ، فيه من التدبير القدري الكوني ، وأمره ، فيه التدبير الشرعي الديني ، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة ، فلم يخلق شيئا عبثا ، فكذلك لا يأمر ولا ينهى ، إلا بما هو عدل ، وحكمة ، وإحسان.
[٥] فلما بين أنه الخالق المدبر ، الآمر الناهي ، أخبر عن عظمته وكبريائه ، فقال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ) الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها ، وأوسعها. (اسْتَوى) استواء يليق بجلاله ، ويناسب عظمته وجماله ، فاستوى على العرش ، واحتوى على الملك.
[٦] (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) من ملك وإنسي وجني ، وحيوان ، وجماد ، ونبات. (وَما تَحْتَ الثَّرى) أي : الأرض ، فالجميع ملك لله تعالى ، عبيد مدبرون مسخرون ، تحت قضائه وتدبيره ليس لهم من الملك