حض من بعضهم على بعض ، على الاجتهاد في مغالبته.
[٦٤] ولهذا قالوا : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أي : أظهروه دفعة واحدة ، متظاهرين متساعدين فيه ، متناصرين ، متفقا رأيكم وكلمتكم. (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) ليكون أمكن لعملكم ، وأهيب لكم في القلوب ، ولئلا يترك بعضكم بعض مقدوره من العمل ، واعلموا أن من أفلح اليوم ونجح وغلب غيره ، فإنه المفلح الفائز ، فهذا يوم له ما بعده من الأيام.
[٦٥] فما أصلبهم في باطلهم ، وأشدهم فيه ، حيث أتوا بكل سبب ، ووسيلة وممكن ، ومكيدة يكيدون بها الحق ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويظهر الحق على الباطل ، فلما تمت مكيدتهم ، وانحصر قصدهم ، ولم يبق إلّا العمل (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) عصاك (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى). خيروه ، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه ، بأي حالة كانت.
[٦٦ ـ ٦٧] فقال لهم موسى : (بَلْ أَلْقُوا) فألقوا حبالهم وعصيهم. (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أي : إلى موسى (مِنْ سِحْرِهِمْ) البليغ (أَنَّها تَسْعى) فلما خيّل إلى موسى ذلك ، أوجس (فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) كما هو مقتضى الطبيعة البشرية ، وإلّا فهو جازم بوعد الله ونصره.
[٦٨] (قُلْنا) له تثبيتا وتطمينا : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) عليهم ، أي : ستعلو عليهم وتقهرهم ، ويذلوا لك ويخضعوا.
[٦٩] (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) أي : عصاك (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أي : كيدهم ومكرهم ، ليس بمثمر لهم ، ولا ناجح فإنه من كيد السحرة ، الّذين يموهون على الناس ، ويلبسون الباطل ويخيلون أنهم على الحق ، فألقى موسى عصاه ، فتلقفت ما صنعوا كله ، وأكلته ، والناس ينظرون لذلك الصنيع. فعلم السحرة علما يقينا ، أن هذا ليس بسحر ، وأنه من الله ، فبادروا للإيمان.
[٧٠] (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا) برب العالمين ، (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) ، فوقع الحق وظهر وسطع ، وبطل السحر والمكر والكيد ، في ذلك المجمع العظيم.
[٧١] فصارت بينة ورحمة للمؤمنين ، وحجة على المعاندين ف (قالَ) فرعون للسحرة : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي : كيف أقدمتم على الإيمان من دون مراجعة مني ولا إذن؟ استغرب ذلك منهم ، لأدبهم معه ، وذلهم ، وانقيادهم له في كل أمر من أمورهم ، وجعل هذا من ذاك. ثمّ استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان ، واستخف بقوله قومه ، وأظهر لهم أن هذه الغلبة من موسى للسحرة ، ليس لأنه الذي معه الحق ، بل لأنه تمالأ هو والسحرة ، ومكروا ، ودبروا أن يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم ، فقبل قومه هذا المكر منه ، وظنوه صدقا (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٤). مع أن هذه المقالة التي قالها ، لا تدخل عقل من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع ، فإن موسى ، أتى من مدين وحيدا ، وحين أتى لم يجتمع بأحد من السحرة ولا غيرهم ، بل بادر إلى دعوة فرعون وقومه ، وأراهم الآيات ، فأراد فرعون أن يعارض ما جاء به موسى ، فسعى ما