والإحسان ، وحل عليه الغضب والخسران.
[٨٢] ومع هذا ، فالتوبة معروضة ، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي ، ولهذا قال : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ) أي : كثير المغفرة والرحمة ، لمن تاب من الكفر ، والبدعة ، والفسوق ، وآمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن ، وأقوال اللسان. (ثُمَّ اهْتَدى) أي : سلك الصراط المستقيم ، وتابع الرسول الكريم ، واقتدى بالدين القويم ، فهذا يغفر الله أوزاره ، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره ، لأنه أتى بالسبب الأكبر ، للمغفرة والرحمة ، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء فإن التوبة تجبّ ما قبلها ، والإيمان والإسلام ، يهدم ما قبله ، والعمل الصالح ، الذي هو الحسنات ، يذهب السيئات ، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها ، من تعلم علم ، وتدبر آية أو حديث ، حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به ، ودعوة إلى دين الحق ، ورد بدعة أو كفر ، أو ضلالة ، وجهاد ، وهجرة ، وغير ذلك من جزئيات الهداية ، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب.
[٨٣ ـ ٨٤] كان الله تعالى ، قد واعد موسى ، أن يأتيه ، لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة ، فأتمها بعشر ، فلما تم الميقات ، بادر موسى عليهالسلام إلى الحضور للموعد شوقا لربه ، وحرصا على موعوده. فقال الله له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣) أي : ما الذي قدمك عليهم؟ ولم لم تصبر حتّى تقدم أنت وهم؟ قال : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي : قريبا مني. وسيصلون في أثري. والذي عجلني إليك يا رب الطلب لقربك ، والمسارعة في رضاك ، والشوق إليك.
[٨٥] فقال الله له : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) أي : بعبادتهم للعجل ، ابتليناهم ، واختبرناهم ، فلم يصبروا. وحين وصلت إليهم المحنة ، كفروا (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ). (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) وصاغه فصار (لَهُ خُوارٌ فَقالُوا) لهم (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) فنسيه موسى ، فافتتن به بنو إسرائيل ، فعبدوه ، ونهاهم هرون فلم ينتهوا.
[٨٦] فلما رجع موسى إلى قومه وهو غضبان أسف ، أي : ممتلىء غيظا وحنقا وغما ، قال لهم موبخا ومقبحا لفعلهم : (يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) وذلك بإنزال التوراة. (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي : المدة ، فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة؟ هذا قول كثير من المفسرين ، ويحتمل أن معناه : أفطال عليكم عهد النبوة والرسالة ، فلم يكن لكم علم ولا أثر ، واندرست آثارها ، فلم تقفوا منها على خبر ، فانمحت آثارها ، لبعد العهد بها ، فعبدتم غير الله ، لغلبة الجهل ، وعدم العلم بآثار الرسالة؟ أي : ليس الأمر كذلك ، بل النبوة بين أظهركم ، والعلم قائم ، والعذر غير مقبول؟ أم أردتم بفعلكم ، أن يحل عليكم غضب من ربكم؟ أي : فتعرضتم لأسبابه واقتحمتم موجب عذابه ، وهذا هو الواقع. (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) حين أمرتكم بالاستقامة ، ووصيت بكم هرون ، فلم ترقبوا غائبا ، ولم تحترموا حاضرا.
[٨٧] أي : قالوا له : ما فعلنا الذي فعلنا عن تعمد منا ، وملك منا لأنفسنا ، ولكن السبب الداعي لذلك ، أننا