تأثمنا من زينة القوم التي عندنا ، وكانوا فيما يذكرون ، استعاروا حليا كثيرا من القبط ، فخرجوا وهو معهم ، وألقوه ، وجمعوه حين ذهب موسى ، ليراجعوه فيه ، إذا رجع.
[٨٨] وكان السامري قد بصر يوم الغرق بأثر الرسول ، فسولت له نفسه أن يأخذ قبضة من أثره ، وأنه إذا ألقاها على شيء حيي ، فتنة وامتحانا ، فألقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل ، فتحرك العجل ، وصار له خوار وصوت ، وقالوا : إن موسى ذهب يطلب ربه ، وهو هاهنا ، فنسيه ، وهذا من بلادتهم ، وسخافة عقولهم ، حيث رأوا هذا العجل الغريب الذي صار له خوار ، بعد أن كان جمادا ، فظنوه إله الأرض والسموات.
[٨٩] (أَفَلا يَرَوْنَ) أن العجل (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي : لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه ، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، فالعبادة للكمال والكلام والفعال ، لا يستحق أن يعبد وهو أنقض من عابديه. فإنهم يتكلمون ويقدرون على بعض الأشياء ، من النفع والدفع ، بإقدار الله لهم.
[٩٠ ـ ٩١] أي : إنهم باتخاذهم العجل ، ليسوا معذورين فيه ، فإنه ، وإن كانت عرضت لهم الشبهة في أصل عبادته ، فإن هرون قد نهاهم عنه ، وأخبرهم أنه فتنة ، وأن ربهم الرحمن ، الذي منه النعم الظاهرة والباطنة ، الدافع للنقم. وأنه أمرهم أن يتبعوه ، ويعتزلوا العجل ، فأبوا وقالوا : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى).
[٩٢ ـ ٩٣] فأقبل موسى على أخيه لائما وقال : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) فتخبرني لأبادر للرجوع إليهم؟ (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) في قولي : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).
[٩٤] فأخذ موسى برأس هرون ولحيته ، يجره من الغضب والعتب عليه ، فقال هرون : (يَا بْنَ أُمَ) ترقيق له ، وإلّا فهو شقيقه (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي). فإنك أمرتني أن أخلفك فيهم ، فلو تبعتك ، لتركت ما أمرتني بلزومه وخشيت لائمتك ، و (أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) حيث تركتهم ، وليس عندهم راع ولا خليفة ، فإن هذا يفرقهم ويشتت شملهم ، فلا تجعلني مع القوم الظالمين ، ولا تشمت فينا الأعداء. فندم موسى على ما صنع بأخيه ، وهو غير مستحق لذلك ف (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
[٩٥] ثمّ أقبل على السامري ، ف (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) (٩٥) إلى (فِي الْيَمِّ نَسْفاً). أي : ما شأنك يا سامري ، حيث فعلت ما فعلت؟ فقال :
[٩٦] (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) وهو جبريل عليهالسلام ، على فرس رآه وقت خروجهم من البحر ، وغرق فرعون وجنوده على ما قاله المفسرون ، فقبضت قبضة من أثر حافر فرسه ، فنبذتها على العجل. (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أن أقبضها ، ثمّ أنبذها ، فكان ما كان.
[٩٧] فقال له موسى : (فَاذْهَبْ) أي : تباعد عني واستأخر مني (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) أي :