تعاقب في الحياة عقوبة ، لا يدنو منك أحد ، ولا يمسك أحد ، حتى إن من أراد القرب منك ، قلت : لا تمسني ، ولا تقرب مني ، عقوبة على ذلك ، حيث مس ما لم يمسه غيره ، وأجرى ما لم يجره أحد. (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) فتجازى بعملك ، من خير وشر. (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) أي : العجل (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) ففعل موسى ذلك. فلو كان إلها ، لامتنع ممن يريده بأذى ، ويسعى له بالإتلاف ، وكان قد أشرب العجل في قلوب بني إسرائيل. فأراد موسى عليهالسلام ، إتلافه ـ وهم ينظرون ، على وجه لا تمكن إعادته ـ وبالحرق والسحق ذريه في اليم ، ونسفه ، ليزول ما في قلوبهم من حبه ، كما زال شخصه ، ولأن في إبقائه ، محنة لأن في النفوس ، أقوى داع إلى الباطل. فلما تبين لهم بطلانه ، أخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له.
[٩٨ ـ ٩٩] فقال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨). أي : لا معبود إلّا وجهه الكريم ، فلا يؤله ، ولا يحبّ ، ولا يرجى ولا يخاف ، ولا يدعى إلّا هو لأنه الكامل الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، المحيط علمه ، بجميع الأشياء ، الذي ما من نعمة بالعباد ، إلّا منه ، ولا يدفع السوء إلّا هو. فلا إله إلّا هو ، ولا معبود سواه. يمتن الله تعالى على نبيه صلىاللهعليهوسلم ، بما قصه عليه من أنباء السابقين ، وأخبار السالفين ، كهذه القصة العظيمة ، وما فيها من الأحكام وغيرها ، التي لا ينكرها أحد من أهل الكتاب ، فأنت لم تدرس أخبار الأولين ، ولم تتعلم ممن دراها ، فإخبارك بالحق اليقين من أخبارهم ، دليل على أنك رسول الله حقا ، وما جئت به صدق. ولهذا قال : (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا) أي : عطية نفيسة ومنحة جزيلة من عندنا. (ذِكْراً) وهو : هذا القرآن الكريم ، ذكر للأخبار السابقة واللاحقة ، وذكر يتذكر به ما لله تعالى من الأسماء ، والصفات الكاملة ، ويتذكر به أحكام الأمر والنهي ، وأحكام الجزاء. وهذا مما يدل على أن القرآن مشتمل على أحسن ما يكون من الأحكام ، التي تشهد العقول والفطر ، بحسنها ، وكمالها ، ويذكر هذا القرآن ما أودع الله فيها. وإذا كان القرآن ذكرا للرسول ولأمته ، فيجب تلقيه بالقبول والتسليم ، والانقياد ، والتعظيم ، وأن يهتدى بنوره إلى الصراط المستقيم ، وأن يقبلوا عليه بالتعلم والتعليم. وأما مقابلته بالإعراض ، أو ما هو أعم منه من الإنكار فإنه كفر لهذه النعمة ، ومن فعل ذلك ، فهو مستحق للعقوبة.
[١٠٠] ولهذا قال : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) فلم يؤمن به ، أو تهاون بأوامره ونواهيه ، أو بتعلم معانيه الواجبة (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) وهو ذنبه ، الذي بسببه ، أعرض عن القرآن وأولاه الكفر والهجران.
[١٠١] (خالِدِينَ فِيهِ) أي : في وزرهم ، لأن العذاب هو نفس الأعمال ، تنقلب عذابا على أصحابها ، بحسب صغرها وكبرها. (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) أي : بئس الحمل الذي يحملونه ، والعذاب الذي يعذبونه يوم القيامة.
[١٠٢ ـ ١٠٥] ثمّ استطرد ، فذكر أحوال يوم القيامة وأهواله فقال : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) إلى (إِلَّا يَوْماً). أي : إذا نفخ في الصور ، وخرج الناس من قبورهم كلّ على حسب حاله ، فالمتقون يحشرون إلى الرحمن وفدا ، والمجرمون