من الخلق ، إلا من أذن له في الشفاعة ، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله ، أي : شفاعته ، من الأنبياء والمرسلين ، وعباده المقربين ، فيمن ارتضى قوله ، وهو المؤمن المخلص ، فإذا اختل واحد من هذه الأمور ، فلا سبيل لأحد إلى شفاعة من أحد. وينقسم الناس في ذلك الموقف قسمين : ظالمين بكفرهم فهؤلاء ، لا ينالهم إلا الخيبة والحرمان ، والعذاب الأليم في جهنم ، وسخط الديان. والقسم الثاني : من آمن الإيمان المأمور به ، وعمل صالحا ، من واجب ومسنون (فَلا يَخافُ ظُلْماً) أي : زيادة في سيئاته (وَلا هَضْماً) أي : نقصا من حسناته ، بل تغفر ذنوبه ، وتطهر عيوبه ، وتضاعف حسناته ، (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً).
[١١٣] أي : وكذلك أنزلنا هذا الكتاب ، باللسان الفاضل العربي ، الذي تفهمونه وتفقهونه ، ولا يخفى عليكم لفظه ، ولا معناه. (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) أي : نوّعناها أنواعا كثيرة ، تارة بذكر أسمائه الدالة على العدل والانتقام ، وتارة بذكر المثلات التي أحلها بالأمم السابقة ، وأمر أن تعتبر بها الأمم اللاحقة ، وتارة بذكر آثار الذنوب ، وما تكسبه من العيوب ، وتارة بذكر أهوال القيامة ، وما فيها من المزعجات ، والمقلقات ، وتارة ، بذكر جهنم ، وما فيها من أنواع العذاب ، وأصناف العذاب ، كل هذا ، رحمة بالعباد ، لعلهم يتقون الله فيتركون من الشر والمعاصي ، ما يضرهم. (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) فيعملون من الطاعات والخير ، ما ينفعهم ، فكونه عربيا ، وكونه مصرفا فيه من الوعيد ، أكبر سبب ، وأعظم داع للتقوى ، والعمل الصالح ، فلو كان غير عربي أو غير مصرف فيه ، لم يكن له هذا الأثر.
[١١٤] لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده ، وحكمه الأمري الديني ، الذي أنزل في الكتاب وكان هذا من آثار ملكه قال : (فَتَعالَى اللهُ) أي : جلّ وارتفع ، وتقدس ، عن كل نقص وآفة. (الْمَلِكُ) الذي الملك وصفه ، والخلق كلهم ، مماليك له ، وأحكام الملك القدرية والشرعية ، نافذة فيهم. (الْحَقُ) أي : وجوده ، وملكه ، وكماله ، حق ، فصفات الكمال ، لا تكون حقيقة ، إلا لذي الجلال ، ومن ذلك : الملك ، فإن غيره من الخلق ، وإن كان له ملك في بعض الأوقات ، على بعض الأشياء ، فإنه ملك قاصر باطل ، يزول ، وأما الرب ، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيّوما جليلا. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي : لا تبادر بتلقّف القرآن حين يتلوه عليك جبريل ، واصبر حتى يفرغ منه ، فإذا فرغ منه فاقرأه ، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك ، وقراءتك إياه. كما قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩). ولما كانت عجلته صلىاللهعليهوسلم ، على تلقّف الوحي ومبادرته إليه ، تدل على محبته التامة للعلم ، وحرصه عليه ، أمره تعالى أن يسأله زيادة العلم ، فإن العلم خير ، وكثرة الخير مطلوبة ، وهي من الله ، والطريق إليها ، الاجتهاد ، والشوق للعلم ، وسؤال الله ، والاستعانة به ، والافتقار إليه في كل وقت. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة ، الأدب في تلقي العلم ، وأن المستمع للعلم ، ينبغي له أن يتأنّى ويصبر ، حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه ، المتصل بعضه ببعض ، فإذا فرغ منه ، سأل ،