فقال : (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) أي : رزقك علينا ، قد تكفلنا به ، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق ، كلهم ، فكيف بمن قام بأمرنا ، واشتغل بذكرنا؟ ورزق الله عام للمتقي وغيره. فينبغي الاهتمام ، بما يجلب السعادة الأبدية ، وهو : التقوى ، ولهذا قال : (وَالْعاقِبَةُ) في الدنيا والآخرة (لِلتَّقْوى) التي هي فعل المأمور وترك المنهي. فمن قام بها ، كان له العاقبة ، كما قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
[١٣٣ ـ ١٣٤] أي : قال المكذبون للرسول صلىاللهعليهوسلم : هلا يأتينا بآية من ربه؟ يعنون آيات الاقتراح كقولهم : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً). وهذا تعنت منهم ، وعناد وظلم ، فإنهم ، هم والرسول ، بشر عبيد لله ، فلا يليق منهم الاقتراح ، بحسب أهوائهم ، وإنّما الذي ينزلها ، ويختار منها ما يختار بحسب حكمته ، هو الله. ولما كان قولهم : (لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يقتضي أنه لم يأتهم بآية على صدقه ، ولا بينة على حقه ، وهذا كذب وافتراء ، فإنه أتى من المعجزات الباهرات ، والآيات القاهرات ، ما يحصل ببعضه ، المقصود. ولهذا قال : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ) إن كانوا صادقين في قولهم ، وأنهم يطلبون الحق بدليله. (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : هذا القرآن العظيم ، المصدق لما في الصحف الأولى ، من التوراة والإنجيل ، والكتب السابقة المطابق لها ، المخبر بما أخبرت به ، وتصديقه أيضا مذكور فيها ، ومبشر بالرسول بها ، وهذا كقوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، فالآيات تنفع المؤمنين ، ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم ، وأما المعرضون عنها المعارضون لها ، فلا يؤمنون بها ، ولا ينتفعون بها ، (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧) ، وإنّما الفائدة في سوقها إليهم ومخاطبتهم بها ، لتقوم عليهم حجة الله ، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) بالعقوبة ، فها قد جاءكم رسولي ومعه آياتي وبراهيني ، فإن كنتم كما تقولون ، فصدقوه.
[١٣٥] قل يا محمد مخاطبا للمكذبين لك الّذين يقولون تربصوا به ريب المنون (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) فتربصوا بي الموت ، وأنا أتربص بكم العذاب (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) أي : الظفر أو الشهادة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا). (فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) أي المستقيم. (وَمَنِ اهْتَدى) بسلوكه ، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه ، هو الفائز الراشد ، الناجي المفلح ، ومن حاد عنه فهو خاسر خائب معذب. وقد علم أن الرسول هو الذي بهذه الحالة ، وأعداؤه ، بخلافه ، والله أعلم. تم تفسير سورة طه ولله الحمد.
تفسير سورة الأنبياء
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] هذا تعجب من حالة الناس ، وأنهم لا ينجع فيهم تذكير ، ولا يرعون إلى نذير ، وأنهم قد قرب حسابهم ، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة ، والحال أنهم في غفلة معرضون أي : غفلة عما خلقوا له ، وإعراض عما زجروا به. كأنهم للدنيا خلقوا ، وللتمتع بها ولدوا ، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ ، ولا يزالون في غفلتهم