قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ). وقال : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (١٤٨). وهذه الأمة العظيمة ، الّذين آمنوا بدعوة يونس ، من أكبر فضائله ، ولكنه عليه الصلاة والسّلام ، ذهب مغاضبا ، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب ، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه ، ولا حاجة لنا إلى تعيينها لقوله. (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١٤٠) أي : فاعل ما يلام عليه ، وظن أن الله ، لا يقدر عليه ، أي : يضيق عليه في بطن الحوت ، أو ظن أنه سيفوت الله تعالى ، ولا مانع من عروض هذا الظن للكل من الخلق على وجه لا يستقر ، ولا يستمر عليه ، فركب في السفينة مع أناس ، فاقترعوا ، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم ، فأصابت القرعة يونس ، فالتقمه الحوت ، وذهب فيه إلى ظلمات البحار ، فنادى في تلك الظلمات : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، فأقر لله تعالى بكمال الألوهية ، ونزهه عن كل نقص ، وعيب ، وآفة ، واعترف بظلم نفسه وجنايته.
[٨٨] قال الله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤٤). ولهذا قال هنا : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) أي : الشدة التي وقع فيها. (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وهذا وعد وبشارة ، لكل مؤمن وقع في شدة وغم ، أن الله تعالى سينجيه منها ، ويكشف عنه ويخفف ، لإيمانه كما فعل ب «يونس» عليهالسلام.
[٨٩] أي : واذكر عبدنا ورسولنا ، زكريا ، منوها بذكره ، ناشرا لمناقبه وفضائله ، التي من جملتها ، هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه الخلق ، ورحمة الله إياه ، وأنه (نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي : (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٦). من هذه الآيات علمنا أن قوله : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) أنه لما تقارب أجله ، خاف أن لا يقوم أحد بعده مقامه في الدعوة إلى الله ، والنصح لعباد الله ، وأن يكون في وقته فردا ، ولا يخلف من يشفعه ويعينه ، على ما قام به. (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) أي : خير الباقين ، وخير من خلفني بخير ، وأنت أرحم بعبادك مني ، ولكني أريد أن يطمئن به قلبي ، وتسكن له نفسي ، ويجري في موازيني ثوابه.
[٩٠] (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) النبي الكريم ، الّذي لم يجعل الله له من قبل سميا. (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) بعد ما كانت عاقرا ، لا يصلح رحمها للولادة فأصلح الله رحمها للحمل ، لأجل نبيه زكريا ، وهذا من فوائد الجليس ، والقرين الصالح ، أنه مبارك على قرينه ، فصار يحيى مشتركا بين الوالدين. ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين ، كلّا على انفراده ، أثنى عليهم عموما فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي : يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة ، ويكملونها على الوجه اللائق ، الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها ، إلا انتهزوا الفرصة فيها. (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) أي : يسألوننا الأمور المرغوب فيها ، من مصالح الدنيا والآخرة ،