الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) فكونه ملكا للخلق كلهم حقا ، في صدقه ، ووعده ، ووعيده ، مألوفا معبودا ، لما له من الكمال ورب العرش العظيم فما دونه من باب أولى ، يمنع أن يخلقكم عبثا.
[١١٧] أي : ومن دعا مع الله آلهة غيره ، بلا بينة من أمره ، ولا برهان على ذلك ، يدل على ما ذهب إليه ، وهذا قيد ملازم ، فكل من دعا غير الله ، فليس له برهان على ذلك ، بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب إليه ، فأعرض عنها ظلما وعنادا ، فهذا سيقدم على ربه ، فيجازيه بأعماله ، ولا ينيله من الفلاح شيئا ، لأنه كافر. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) فكفرهم ، منعهم من الفلاح.
[١١٨] (وَقُلْ) داعيا لربك مخلصا له الدين (رَبِّ اغْفِرْ) لنا حتى تنجينا من المكروه ، وارحمنا ، لتوصلنا برحمتك إلى كلّ خير. (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فكل راحم للعبد ، فالله خير له منه ، أرحم بعبده من الوالدة بولدها ، وأرحم به من نفسه. تمّ تفسير سورة المؤمنون ، بفضل الله وإحسانه.
تفسير سورة النور
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] أي : هذه (سُورَةٌ) عظيمة القدر (أَنْزَلْناها) رحمة منا بالعباد ، وحفظناها من كلّ شيطان (وَفَرَضْناها) أي : قدرنا فيها ما قدرنا ، من الحدود والشهادات وغيرها. (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) أي : أحكاما جليلة ، وأوامر ، وزواجر وحكما عظيمة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) حين نبين لكم ، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.
[٢] ثمّ شرع في بيان تلك الأحكام ، المشار إليها ، فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) إلى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). هذا الحكم ، في الزاني والزانية البكرين ، أنهما يجلد كلّ منهما مائة جلدة ، وأما الثّيب ، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة ، أن حده الرجم. ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما ، في دين الله ، تمنعنا من إقامة الحد عليهما ، سواء رأفة طبيعية أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك ، وأن الإيمان ، موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة ، من إقامة أمر الله. فرحمته حقيقة ، بإقامة الحد عليه. فنحن وإن رحمناه ، لجريان القدر عليه ، فلا نرحمه من هذا الجانب. وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين ، طائفة ، أو جماعة من المؤمنين ليشتهر ، ويحصل بذلك ، الخزي والارتداع ، وليشاهدوا الحد فعلا ، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل ، مما يقوى به العلم ، ويستقر به الفهم ، ويكون أقرب لإصابة الصواب ، فلا يزاد فيه ، ولا ينقص. والله أعلم.
[٣] هذا بيان لرذيلة الزنا ، وأنه يدنس عرض صاحبه ، وعرض من قارنه ومازجه ، ما لا يفعله بقية الذنوب.
فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء ، إلّا أنثى زانية ، تناسب حاله حالها ، أو مشركة بالله ، لا تؤمن ببعث ولا جزاء ، ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك ، لا ينكحها إلّا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي : حرم عليهم أن ينكحوا زانيا ، أو ينكحوا زانية. ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا ، من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك ، أن المقدم على نكاحه ، مع تحريم الله لذلك ، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذاك لا يكون إلّا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه ، فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا ، لم يقدم على ذلك ، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية ، حتى تتوب ، وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب ، فإن