المشاعر كلها : من الطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفة ، ومزدلفة ، ورمي الجمار ، والنحر ، وغير ذلك من أفعال الحج. فيكون معنى قوله : (مُصَلًّى) ، أي : معبدا ، أي : اقتدوا به في شعائر الحج ، ولعل هذا المعنى أولى ، لدخول المعنى الأول فيه ، واحتمال اللفظ له. (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) ، أي : أوحينا إليهما ، وأمرنا هما بتطهير بيت الله من الشرك والكفر والمعاصي ، ومن الرجس والنجاسات والأقذار ، ليكون (لِلطَّائِفِينَ) فيه (وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ، أي : المصلين. قدم الطواف ، لاختصاصه بالمسجد الحرام ، ثم الاعتكاف ، لأن من شرطه المسجد مطلقا ، ثم الصلاة ، مع أنها أفضل ، لهذا المعنى. وأضاف الباري البيت إليه لفوائد ، منها : أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره ، لكونه بيت الله ، فيبذلان جهدهما ، ويستغرقان وسعهما في ذلك. ومنها : أن الإضافة تقتضي التشريف والإكرام ، ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه. ومنها : أن هذه الإضافة هي السبب الجالب للقلوب إليه. أي : وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت ، أن يجعله الله بلدا آمنا ، ويرزق أهله من أنواع الثمرات.
[١٢٦] ثم قيد عليهالسلام هذا الدعاء للمؤمنين ، تأدبا مع الله ، إذ كان دعاؤه الأول ، فيه الإطلاق ، فجاء بالجواب فيه مقيدا بغير الظالم. فلما دعا لهم بالرزق ، وقيده بالمؤمن ، وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر والعاصي والطائع ، قال تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ) ، أي : أرزقهم كلهم ، مسلمهم وكافرهم ، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة ، وأما الكافر ، فيتمتع فيها قليلا (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) ، أي : ألجئه وأخرجه مكرها (إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
[١٢٧] (وَإِذْ يَرْفَعُ) ، أي : واذكر إبراهيم وإسماعيل ، في حالة رفعهما القواعد من البيت ، الأساس ، واستمرارهما على هذا العمل العظيم ، وكيف كان حالهما من الخوف والرجاء ، حتى إنهما ـ مع هذا العمل ـ دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما ، حتى يجعل فيه النفع العميم.
[١٢٨] ودعوا لأنفسهما ، وذريتهما بالإسلام ، الذي حقيقته ، خضوع القلب ، وانقياده لربه المتضمن لانقياد الجوارح. (وَأَرِنا مَناسِكَنا) ، أي : علمناها على وجه الإرادة والمشاهدة ، ليكون أبلغ. يحتمل أن يكون المراد بالمناسك : أعمال الحج كلها ، كما يدل عليه السياق والمقام ، ويحتمل أن يكون المراد : ما هو أعظم من ذلك ، وهو الدين كله ، والعبادات كلها ، كما يدل عليه عموم اللفظ ، لأن النسك : التعبد ، ولكن غلب على متعبدات الحج تغليبا عرفيا ، فيكون حاصل دعائهما يرجع إلى التوفيق للعلم النافع ، والعمل الصالح. ولما كان العبد ـ مهما كان ـ لا بد أن يعتريه التقصير ، ويحتاج إلى التوبة ، قالا : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
[١٢٩] (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) ، أي : في ذريتنا. (رَسُولاً مِنْهُمْ) ليكون أرفع لدرجتهما ، ولينقادوا له ، وليعرفوه حقيقة المعرفة. (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) لفظا ، وحفظا ، وتحفيظا (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) معنى. (وَيُزَكِّيهِمْ) ب لتربية على الأعمال الصالحة ، والتبري من الأعمال الردية ، التي لا تزكى النفس معها. (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) ، أي :