الإسلام ، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها ، فهي من الإيمان ، وأثر من آثاره ، فحيث أطلق الإيمان ، دخل فيه ما ذكر ، وكذلك الإسلام ، إذا أطلق دخل فيه الإيمان ، فإذا قرن بينهما ، كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق ، والإسلام اسما للأعمال الظاهرة. وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة. فقوله تعالى : (قُولُوا) ، أي : بألسنتكم ، متواطئة عليها قلوبكم ، وهذا هو القول التام ، المترتب عليه الثواب والجزاء ، فكما أن النطق باللسان ، بدون اعتقاد القلب ، نفاق وكفر ، فالقول الخالي من العمل عمل القلب ، عديم التأثير ، قليل الفائدة ، وإن كان العبد يؤجر عليه ، إذا كان خيرا ومعه أصل الإيمان ، لكن فرق بين القول المجرد ، والمقترن به عمل القلب. وفي قوله : (قُولُوا) إشارة إلى الإعلان بالعقيدة ، والصدع بها ، والدعوة لها ، إذ هي أصل الدين وأساسه. وفي قوله : (آمَنَّا) ونحوه ، مما فيه صدور الفعل ، منسوبا إلى جميع الأمة ، إشارة إلى أنه يجب على الأمة ، الاعتصام بحبل الله جميعا ، والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا ، وعملهم متحدا ، وفي ضمنه النهي عن الافتراق ، وفيه أن المؤمنين كالجسد الواحد. وفي قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) ، إلخ ، دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان ، على وجه التقييد ، بل على وجوب ذلك ، بخلاف قوله : «أنا مؤمن» ونحوه ، فإنه لا يقال إلا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة لما فيه من تزكية النفس ، والشهادة على نفسه بالإيمان. فقوله : (آمَنَّا بِاللهِ) ، أي : بأنه واجب الوجود ، واحد أحد ، متصف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص وعيب ، مستحق لإفراده بالعبادة كلها ، وعدم الإشراك به في شيء منها ، بوجه من الوجوه. (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله ، من صفات الباري ، وصفات رسله ، واليوم الآخر ، والغيوب الماضية والمستقبلة ، والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الأمرية الشرعية ، وأحكام الجزاء وغير ذلك. (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ) ، إلى آخر الآية ، فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء ، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا ، ما نص عليه في الآية ، لشرفهم ، ولإتيانهم بالشرائع الكبار. فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب ، أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول ، ثم ما عرف منهم بالتفصيل ، وجب الإيمان به مفصلا. وقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) ، أي : بل نؤمن بهم كلهم ، هذه خاصية المسلمين التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين. فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم ـ وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب ـ فإنهم يكفرون بغيره ، فيفرقون بين الرسل والكتب ، بعضها يؤمنون به ، وبعضها يكفرون به ، وينقض تكذيبهم تصديقهم ، فإن الرسول الذي زعموا أنهم قد آمنوا به ، قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإذا كذبوا محمدا ، فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به ، فيكون كفرا برسولهم. وفي قوله : (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) دلالة على أن عطية الدين ، هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية. لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك ، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع. وفيه أن الأنبياء مبلّغون عن الله ، ووسائط بين الله