[١٠٢] (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أي : رجعة إلى الدنيا ، وإعادة إليها (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لنسلم من العقاب ، ونستحق الثواب. هيهات هيهات ، قد حيل بينهم وبين ما يشتهون ، وقد غلقت منهم الرهون.
[١٠٣] (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكرنا لكم ووصفنا (لَآيَةً) لكم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) مع نزول الآيات.
[١٠٥ ـ ١٠٦] يذكر تعالى ، تكذيب قوم نوح لرسولهم نوح ، وما رد عليهم وردوا عليه ، وعاقبة الجميع فقال : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) جميعهم ، لأن تكذيب نوح ، كتكذيب جميع المرسلين ، لأنهم كلهم ، اتفقوا على دعوة واحدة ، وأخبار واحدة ، فتكذيب أحدهم ، كتكذيب ، بجميع ما جاؤوا به من الحقّ. كذبوه (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (نُوحٌ). وإنّما ابتعث الله الرسل ، من نسب من أرسل إليهم ، لئلا يشمئزوا من الانقياد له ، ولأنهم يعرفون حقيقته ، فلا يحتاجون أن يبحثوا عنه ، فقال لهم مخاطبا ، بألطف خطاب ، كما هي طريقة الرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم. (أَلا تَتَّقُونَ) الله تعالى ، فتتركون ما أنتم مقيمون عليه ، من عبادة الأوثان ، وتخلصون العبادة لله وحده.
[١٠٧] (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٠٧) فكونه رسولا إليهم بالخصوص ، يوجب لهم تلقي ما أرسل به إليهم ، والإيمان به ، وأن يشكروا الله تعالى ، على أن خصهم بهذا الرسول الكريم. وكونه أمينا ، يقتضي أنه لا يقول على الله ، ولا يزيد في وحيه ، ولا ينقص. وهذا يوجب لهم التصديق بخبره والطاعة لأمره.
[١٠٨] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٠٨) فيما أمركم به ، ونهاكم عنه ، فإن هذا ، هو الذي يترتب على كونه رسولا إليهم ، أمينا ، فلذلك رتبه بالفاء ، الدالة على السبب.
[١٠٩] فذكر السبب الموجب ، ثمّ ذكر انتفاء المانع فقال : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) فتتكلفون من المغرم الثقيل. (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أرجو بذلك ، القرب منه ، والثواب الجزيل. وأما أنتم فمنيتي ، ومنتهى إرادتي منكم ، النصح لكم ، وسلوككم الصراط المستقيم.
[١١٠] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) كرر ذلك عليهالسلام ، لتكريره دعوة قومه ، وطول مكثه في ذلك ، كما قال تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) ، وقال : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) (٦) الآيات.
[١١١] فقالوا ردا لدعوته ، ومعارضة له بما ليس يصلح للمعارضة : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) أي : كيف نتبعك ونحن لا نرى أتباعك إلا أسافل الناس ، وأراذلهم وسقطهم. بهذا يعرف عن تكبرهم عن الحقّ ، وجهلهم بالحقائق ، فإنهم لو كان قصدهم الحقّ ، لقالوا ـ إن كان عندهم إشكال وشك في دعوته ـ بيّن لنا صحة ما جئت به بالطرق الموصلة إلى ذلك. ولو تأملوا حق التأمل ، لعلموا أن أتباعه ، هم الأعلون ، خيار الخلق ، أهل العقول الرزينة ، والأخلاق الفاضلة ، وأن الأرذل ، من سلب خاصية عقله ، فاستحسن عبادة الأحجار ، ورضي أن يسجد لها ، ويدعوها ، وأبى الانقياد لدعوة الرسل الكمل. وبمجرد ما يتكلم أحد الخصمين في الكلام الباطل ، يعرف فساد ما عنده بقطع النظر عن صحة دعوى خصمه. فقوم نوح ، لما سمعنا عنهم ، أنهم قالوا في ردهم دعوة نوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) فبنوا على هذا الأصل ، الذي كل أحد يعرف فساده ، رد دعوته ، ـ عرفنا أنهم ضالون مخطئون ، ولو لم نشاهد من آيات نوح ودعوته العظيمة ، ما يفيد الجزم واليقين ، بصدقه وصحة ما جاء به.
[١١٢ ـ ١١٣] فقال نوح عليهالسلام : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) (١١٣) أي : أعمالهم وحسابهم على الله ، إنّما عليّ التبليغ ، وأنتم دعوهم عنكم ، إن كان ما جئتكم به الحقّ ، فانقادوا له ، وكلّ له عمله.