[١١٤] (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) كأنهم ـ قبحهم الله ـ طلبوا منه أن يطردهم عنه ، تكبرا ، وتجبرا ، ليؤمنوا. فقال : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) فإنهم لا يستحقون الطرد والإهانة ، إنما يستحقون الإكرام القولي ، والفعلي ، كما قال تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
[١١٥] (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥) أي : ما أنا إلا منذر ، ومبلغ عن الله ، ومجتهد في نصح العباد ، وليس لي من الأمر شيء ، إن الأمر إلا لله. فاستمر نوح ، عليه الصلاة والسّلام ، على دعوتهم ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ، فلم يزدادوا إلا نفورا ، (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) من دعوتك إيانا ، إلى الله وحده (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي : لنقتلك شر قتلة ، بالرمي بالحجارة ، كما يقتل الكلب. فتبا لهم ، ما أقبح هذه المقابلة ، يقابلون الناصح الأمين الذي هو أشفق عليهم من أنفسهم ، بشر مقابلة. لا جرم لما انتهى ظلمهم ، واشتد كفرهم ، دعا عليهم نبيهم ، بدعوة أحاطت بهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) الآيات.
[١١٧ ـ ١١٨] وهنا (قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي : أهلك الباغي منا ، وهو يعلم أنهم البغاة الظلمة ، ولهذا قال : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
[١١٩] (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي : السفينة (الْمَشْحُونِ) من الخلق والحيوانات.
[١٢٠] (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي : بعد نوح ، ومن معه من المؤمنين (الْباقِينَ) أي : جميع قومه.
[١٢١] (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : نجاة نوح وأتباعه ، وإهلاك من كذبه (لَآيَةً) دالة على صدق رسلنا ، وصحة ما جاؤوا به ، وبطلان ما عليه أعداؤهم المكذبون بهم.
[١٢٢] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي قهر بعزه أعداءه ، فأغرقهم بالطوفان (الرَّحِيمُ) بأوليائه ، حيث نجى نوحا ومن معه ، من أهل الإيمان.
[١٢٣] أي : كذبت القبيلة المسماة عادا ، رسولهم هودا ، وتكذيبهم له ، تكذيب لغيره ، لاتفاق الدعوة.
[١٢٤] (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (هُودٌ) بلطف وحسن خطاب : (أَلا تَتَّقُونَ) الله ، فتتركون الشرك وعبادة غيره.
[١٢٥] (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٢٥) أي : أرسلني الله إليكم ، رحمة بكم ، واعتناء بكم ، وأنا أمين ، تعرفون ذلك مني ، رتب على ذلك قوله :
[١٢٦] (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي : أدوا حق الله تعالى ، وهو : التقوى ، وأدوا حقي ، بطاعتي فيما آمركم به ، وأنهاكم عنه ، فهذا موجب ، لأن تتبعوني وتطيعوني وليس ثمّ مانع يمنعكم من الإيمان.
[١٢٧] فلست أسألكم على تبليغي إياكم ، ونصحي لكم ، أجرا ، حتى تستثقلوا ذلك المغرم. (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) الذي رباهم بنعمه ، وأدرّ عليهم فضله وكرمه ، خصوصا ما ربّى به أولياءه وأنبياءه.