[١٢٨] (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) أي : مدخل بين الجبال (آيَةً) أي : علامة (تَعْبَثُونَ) أي : تفعلون ذلك عبثا لغير فائدة تعود بمصالح دينكم ودنياكم.
[١٢٩] (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي : بركا ومجابي للحياة (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) والحال أنه لا سبيل إلى الخلود لأحد.
[١٣٠] (وَإِذا بَطَشْتُمْ) بالخلق (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) قتلا وضربا ، وأخذ أموال. وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة عظيمة ، وكان الواجب عليهم أن يستعينوا بقوتهم على طاعة الله ، ولكنهم فخروا ، واستكبروا ، وقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) واستعملوا قوتهم في معاصي الله ، وفي العبث والسفه ، فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك.
[١٣١] (فَاتَّقُوا اللهَ) واتركوا شرككم وبطركم (وَأَطِيعُونِ) حيث علمتم أني رسول الله إليكم ، أمين ناصح.
[١٣٢] (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ) أي : أعطاكم (بِما تَعْلَمُونَ) أي : أمدكم بما لا يجهل ولا ينكر من الإنعام.
[١٣٣ ـ ١٣٤] (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) من إبل ، وبقر ، وغنم (وَبَنِينَ) أي : وكثرة نسل. كثّر أموالكم ، وكثّر أولادكم ، خصوصا الذكور ، أفضل القسمين.
[١٣٥] هذا تذكيرهم بالنعم ، ثمّ ذكرهم حلول عذاب الله فقال : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣٥) أي : أي إني ـ من شفقتي عليكم وبري بكم ـ أخاف أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم ، إذا نزل لا يرد ، إن استمررتم على كفركم وبغيكم.
[١٣٦] فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم : (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي : الجميع على حد سواء. وهذا غاية العتو ، فإن أقواما بلغت بهم الحال إلى أن صارت مواعظ الله ، التي تذيب الجبال الصم الصلاب ، وتتصدع لها أفئدة أولي الألباب ، وجودها وعدمها ـ عندهم ـ على حد سواء ـ لقوم انتهى ظلمهم ، واشتد شقاؤهم ، وانقطع الرجاء من هدايتهم.
[١٣٧] ولهذا قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١٣٧) أي : هذه الأحوال والنعم ، ونحو ذلك ، عادة الأولين ، تارة يستغنون ، وتارة يفتقرون. وهذه أحوال الدهر ، لأن هذه محن ومنح من الله تعالى ، وابتلاء لعباده.
[١٣٨] (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١٣٨) وهذا إنكار منهم للبعث أو تنزل مع نبيهم وتهكم به. إننا على فرض أننا نبعث ، فإننا كما أدرّت علينا النعم في الدنيا ، كذلك لا تزال مستمرة علينا إذا بعثنا.
[١٣٩] (فَكَذَّبُوهُ) أي : صار التكذيب سجية لهم وخلقا ، لا يردعهم عنه رادع. (فَأَهْلَكْناهُمْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ). (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) على صدق نبينا ، هود عليهالسلام ، وصحة ما جاء به ، وبطلان ما عليه قومه ، من الشرك والجبروت. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) مع وجود الآيات المقتضية للإيمان.
[١٤٠] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي أهلك بقدرته قوم هود ، على قوتهم وبطشهم. (الرَّحِيمُ) بنبيه هود ، حيث نجاه ومن معه من المؤمنين.